وأخذ راهب الدير له في أثناء الطريق عارية في ليلة بعوض عشرة آلاف دينار وتغسيله له وتطييبه ، ووضعه على فخذه والنور منه ساطع إلى السماء وإسلامه لذلك ، وخروجه من الدير وخدمته لأهل البيت (١).
ثمّ ذكر أحوال مولانا سيّد الساجدين زين العابدين عليهالسلام ، وأنّ عبد الملك حمله مقيّدا من المدينة بأثقلة من حديد ووكّل به حفظة ، فدخل عليه الزهري لوداعه ، فبكى وقال : وددت أنّي مكانك ، فقال : « أو تظنّ أنّ ذلك يكربني لو شئت لما كان وأنّه ليذكّرني عذاب الله ».
ثمّ أخرج رجليه من القيد وفكّ يده من الغلّ ، ثمّ قال : لأجزت معهم على هذا يومين من المدينة ، فما مضى يومان إلاّ وفقدوه حين طلع الفجر وهم يرصدونه ، فطلبوه فلم يجدوه ، فقال الزهري فقدمت على عبد الملك فسألني عنه فأخبرته ، فقال : قد جاءني يوم فقده الأعوان فدخل عليّ فقال : « ما أنا وأنت؟ » فقلت : أقم عندي ، فقال : « لا أحبّ ».
ثمّ خرج ، فو الله لقد امتلأ قلبي منه خيفة ، ومن ثمّ كتب عبد الملك للحجّاج أن تجنّب دماء بني عبد المطّلب وأمره بكتم ذلك ، فكوشف به زين العابدين فكتب إليه : « أنّك كتبت للحجّاج يوم كذا أمرا في حقّنا بني عبد المطّلب بكذا وكذا وقد شكر الله لك ذلك » ، وأرسل به إليه ، فلمّا وقف عليه وجد تأريخه موافقا لتأريخ كتابه للحجّاج ، ووجد مخرج الغلام موافقا لمخرج رسوله للحجّاج ، فعلم أنّ زين العابدين كوشف بسرّه ، فسر به وأرسل إليه مع غلامه يوقر راحلته دراهم وكسوة ، وسأله أن لا يخليه من صالح دعائه (٢).
وقال الفرزدق في شأنه إذ أقبل حتّى استلم وتنحّى له الناس الذين كان عند
__________________
(١) « الصواعق المحرقة » : ١٩٢ ـ ٢٠٠.
(٢) المصدر السابق : ٢٠٠.