فالتفت إليّ ثمّ انحنى ثانية فخطّ بسوطه مثل الأولى ، ثمّ قال : « انزل وخذ واكتم » ، قال : فنزلت فإذا بسبيكة فجعلتها في الخفّ الآخر.
وسرنا يسيرا ، ثمّ انصرف إلى منزله وانصرفت إلى منزلي فجلست وحسبت ذلك الدين وعرفت مبلغه ، ثمّ وزنت سبيكة الذهب فخرج بقسط ذلك الدين ما زادت ولا نقصت ، ثمّ نظرت ما نحتاج إليه لشتائي من كلّ وجه فعرفت مبلغه الذي لم يكن بدّ منه على الاقتصاد بلا تقتير ولا إسراف ، ثمّ وزنت سبيكة الفضّة فخرجت على ما قدّرته ما زادت ولا نقصت (١).
ومنها : ما روي أنّه حدّث بطريق متطبّب بالريّ قد أتى عليه مائة سنة ونيّف وقال : كنت تلميذ بختيشوع ـ طبيب المتوكّل ـ وكان يصطفيني ، فبعث إليه الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا عليهمالسلام أن يبعث إليه بأخصّ أصحابه عنده ليفصده ، فاختارني وقال : قد طلب منّي ابن الرضا عليهالسلام من يفصده فصر إليه ، وهو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء ، فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به ، فمضيت إليه فأمرني إلى حجرة وقال : « كن إلى أن أطلبك ».
قال : وكان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيّدا محمودا للفصد ، فدعاني في وقت غير محمود له وأحضر طستا عظيما ففصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج حتّى امتلأ الطست ، ثمّ قال لي : « اقطع » ، فقطعت وغسل يده وشدّها وردّني إلى الحجرة وقدّم من الطعام الحارّ والبارد شيء كثير وبقيت إلى العصر.
ثمّ دعاني فقال : « سرّح » ، ودعا بذلك الطست فسرّحت وخرج الدم إلى أن امتلأ الطشت ، فقال : « اقطع » ، فقطعت وشدّ يده وردّني إلى الحجرة فبتّ فيها.
فلمّا أصبحت وظهرت الشمس دعاني وأحضر ذلك الطست ، وقال : « سرّح » ، فسرّحت فخرج مثل اللبن الحليب إلى أن امتلأ الطست ، فقال : « اقطع » ، فقطعت وشدّ
__________________
(١) المصدر السابق : ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ، ح ٢٠ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٤٢١ ، ح ٢.