ومنها : ما روي عن إبراهيم بن محمّد الطاهري قال : مرض المتوكّل من خراج خرج به فأشرف منه على التلف ، فلم يجرأ أحد أن يمسّه بحديدة ، فنذرت أمّه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهماالسلام مالا جليلا من مالها ، وقال له الفتح بن خاقان : لو بعثت إلى هذا الرجل ـ يعني أبا الحسن عليهالسلام ـ فسألته فإنّه ربّما كان عنده صفة شيء يفرّج الله به عنك ، قال : ابعثوا إليه ، فمضى الرسول ورجع فقال : « خذوا كسب الغنم فديفوه (١) بماء ورد وضعوه على الخراج فإنّه نافع بإذن الله » ، فجعل من بحضرة المتوكّل يهزأ من قوله.
فقال لهم الفتح : وما يضرّ من تجربة ما ، قال : فو الله إنّي لأرجو الصلاح به فأحضروا الكسب وديف بماء الورد ووضع على الخراج فانفتح وخرج ما كان فيه ، وبشّرت أمّ المتوكّل بعافيته ، فحملت إلى أبي الحسن عليهالسلام عشرة آلاف دينار تحت ختمها فاستقلّ المتوكّل من علّته.
فلمّا كان بعد أيّام سعى البطحائي بأبي الحسن عليهالسلام إلى المتوكّل ، فقال : عنده سلاح وأموال ، فتقدّم المتوكّل إلى سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلا ويأخذ ما يجد عنده من الأموال والسلاح ويحمل إليه.
فقال إبراهيم بن محمّد : قال لي سعيد الحاجب : سرت إلى دار أبي الحسن عليهالسلام بالليل ومعي سلّم فصعدت عنه إلى السطح ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار ، فناداني أبو الحسن عليهالسلام من الدار : « يا سعيد ، مكانك حتّى يأتوك بشمعة » ، فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبّة من صوف وقلنسوة منها وسجّادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة فقال لي : « دونك البيوت » ، فدخلتها وفتّشتها فلم أجد فيها شيئا ووجدت البدرة مختومة بخاتم أمّ المتوكّل وكيسا مختوما معها ، فقال أبو الحسن عليهالسلام : « دونك المصلّى » ، فرفعت
__________________
(١) داف الشيء يديفه دوفا ، وأدافه : خلطه. « لسان العرب » ٩ : ١٠٨. « د وف ».