[١٠٤] ـ قال الشيخ : يجمع بينهما بأن بعضهم يحشر عاريا وبعضهم كاسيا ، أو يحشرون كلهم عراة ثم يكسى الأنبياء (١) ، فأول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، أو يخرجون من قبورهم بالثياب التي ماتوا فيها ، ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر ، فيحشرون عراة ، ثم يكون أول من يكسى إبراهيم.
وحمل بعضهم حديث أبي سعيد على الشهداء ، لأنهم الذين أمر أن يزمّلوا في ثيابهم ويدفنوا فيها ، فيحتمل أن يكون أبو سعيد سمعه في الشهيد فحمله على العموم.
وحمله بعض أهل العلم على العمل ، وإطلاق الثياب على العمل وقع في مثل قوله تعالى : ( وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ) [ سورة الأعراف الآية : ٢٦ ] ، وقوله تعالى : ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) [ سورة المدّثر الآية : ٤ ]. على أحد الأقوال وهو قول
__________________
ثم قال القرطبي : وذهب أبو حامد ـ أي الغزّالي ـ في كتاب كشف علوم الآخرة إلى حديث أبي سعيد الخدري رضياللهعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « بالغوا في أكفان موتاكم ، فإن أمتي تحشر بأكفانها وسائر الأمم عراة ». رواه أبو سفيان مسندا.
قال القرطبي : وهذا الحديث لم أقف عليه ، والله أعلم بصحته ، وإن صحّ فيكون معناه ، فإن امتي الشهداء تحشر بأكفانها حتى لا تتناقض الأخبار ، ولا يعارض هذا الباب ما تقدّم أول الكتاب من أن الموتى يتزاورون في قبورهم بأكفانهم ، فإن ذلك يكون في البرزخ ، فإذا قاموا من قبورهم خرجوا عراة ما عدا الشهداء.
قال الحافظ في الفتح ( ١١ / ٣٢٢ ) : في الزيادة التي في الحديث : « فإن أمتي تحشر بأكفانها وسائر الأمم عراة » : لم أجد لها أصلا. وقال السيوطي في الحاوي للفتاوى ( ٢ / ١٩٦ ) وأخرج الدينوري في المجالسة عن الحسن قال : يحشر الناس كلّهم عراة ما خلا أهل الزهد. وهذا له حكم المرفوع المرسل. وإذا خص من الحديث الشهداء وأهل الزهد ، فالأنبياء من باب أولى وقال : أحاديث الحشر عراة عارضها أحاديث أخر صرّح فيها بأن الناس يحشرون في أكفانهم. واختلف العلماء في ذلك : فمنهم من سلك مسلك الترجيح فرجّح أحاديث الحشر في الأكفان على أحاديث الحشر عراة وهذا رأي القليل ، والأكثرون سلكوا مسلك الجمع فجمعوا بين الأحاديث بأن أحاديث الحشر في الأكفان خاصة بالشهداء ، ـ يعني فالأنبياء بالأولى كما مرّ ـ وأحاديث الحشر عراة في غيرهم ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وصحّحه والبيهقي عن أبي ذرّ قال حدّثني الصادق المصدوق أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج : فوج طاعمين كاسين راكبين ، وفوج يمشون ويسعون ، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم. وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أبو داود والترمذي. ومن حديث معاوية بن حيدة أخرجه أحمد والترمذي والنسائي.
[١٠٤] فتح الباري ( ١١ / ٣٢٢ ). البدور السافرة ص ـ ١٥. نهاية البداية والنهاية ( ١ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ).
(١) انظر تعليق (٢) من [١٤٢].