ليس بفحّاش ولا طيّاش ، ولا يقتفي أثر شرار الناس ، رفيقا بالحقّ ، مسارعا في عون الضعيف ، غوثا للهيف ، لا يهتك سترا ، ولا يكشف سرّا ، كثير الهدى ، قليل الشكوى ، إن رأى خيرا ذكره ، وإن رأى شرّا ستره ، يحفظ الغيب ، ويقيل العثرة ، ويقبل المعذرة ، ويغتفر الزلّة ، لا يطّلع على نصح فيذره ، ولا يرى من عليه حيف إلاّ أعانه ، رضيّا ، تقيّا ، نقيّا ، رعيّا ، يقبل العذر ، ويجمل الذكر ، ويحسن بالناس ظنّه ، ويتّهم على الغيب نفسه ، يحبّ في الله بفهم وعلم ، ويقطع في الله عزّ وجلّ بحزم وعذر ، خلطته فرحة ، ورويّته حجّة ، صفّاه العلم من كلّ كدر كما تصفّي النار خبث الحديد ، مذاكرا للعالم ، معلّما للجاهل ، كلّ سعي عنده أحمد من سعيه ، وكلّ نفس عنده أخلص من نفسه ، عالما بالغيب ، متشاغلا بالغمّ ، لا يفيق لغير ربّه ، فريدا ، وحيدا ، يحبّ الله ويجاهد في مرضاته ، ولا ينتقم لنفسه ، ولا يوالي أحدا في مسخطة ، مجالسا لأهل الفقر ، مؤازرا لأهل الحقّ ، عونا للغريب ، أبا لليتيم ، بعلا للأرملة ، حفيّا بأهل المسكنة ، مأمولا لكلّ كربة ، مرجوّا لكلّ شدّة ، هشّاشا بشاشا ، ليس بعبّاس ، ولا جسّاس ، دقيق النظر ، عظيم الحظر ، لا يبخل ، وإن بخل أعانه الله على أمره ، واستشعر الخوف ، وغلبه الحزن ، وأضمر اليقين ، وتجنّب الشكّ والشبهات ، وتوهّم الزوال ، مصابيح الهدى في قلبه ، يقرّب البعيد ، ويهون عليه الشديد ، نظر فأبصر ، وبكى فاستكثر ، حتى إذا روى من عذب فرات وقد سهلت موارده فشرب نهلا ، وسلك سبيلا سهلا ، لم ير مظلمة إلاّ أبصر خلالها ، ولا مبهمة إلاّ عرف مداها ، قد خلع سرابيل الشهوات من قلبه ، وردّ كلّ فرع الى أصله ، فالأرض التي هو فيها مشرقة بضيائه ، ساكنة الى قضائه ، سراجا ، مصباح ظلمات ، دليل فلوات ، لم يجد الى الخير مسلكا إلاّ سلكه ، فالعلم ثمرة قلبه ، يضع رجله حيث تقلّه ، والناس عن سراطهم ناكبون ، وفي حيرتهم يعمهون ، وهذه والله كانت أخلاق أمير المؤمنين عليهالسلام.
قال مجاهد ، عن ضرار بن الخطّاب ، قال : قال لي معاوية : صف عليّا. فقال ضرار : كان والله سيّدي أمير المؤمنين بعيد المدى ، قليل الهوى ، يقول فصلا ،