« كنا بفارس إذا حوصرنا حفرنا خندقا يحول بيننا وبين عدونا . . »
فاستحسن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه هذا الرأي وأمر بحفره ، وبهذه المناسبة صار المهاجرون والأنصار يبدون تقربهم لسلمان فاختلفوا فيما بينهم وكل يقول : سلمان منا ، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حزم الأمر بقوله : « سلمان منا أهل البيت » فكانت هذه الكلمة من الرسول في حقه أكبر وأعظم وسام يناله صحابي .
ثم أن النبي حدد لكل عشرة من المسلمين أن يحفروا أربعين ذراعاً ، وكان هو كأحدهم يحفر بيديه مؤاساةً وتشجيعاً لهم ، وكان المسلمون يحفرون وينشدون الأشعار ، أما سلمان ، فلا نشيد ولا كلمة على لسانه تلهب حماسه ، لكنه مع ذلك كان من أنشطهم وأخلصهم في العمل ، وسر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يسمع من سلمان شعراً كما يسمع من غيره ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم اللهم أطلق لسان سلمان ولو على بيت من الشعر فأنشأ سلمان يقول :
ما لي لسان فأقول الشعرا |
|
أسأل ربي قوةً ونصرا |
على عدوي وعدو الطهر |
|
محمد المختار حاز الفخرا |
حتى أنال في الجنان قصرا |
|
مع كل حوراء تحاكي البدرا (١) |
وبينما كان سلمان مع تسعة نفر يحفرون في المساحة المحددة لهم وإذا بصخرة بيضاء قد اعترضتهم ، فأعجزتهم ولم تصنع بها المعاول شيئاً ، فقالوا لسلمان : إذهب إلى رسول الله وأخبره بذلك ، فلعله يأمرنا بالعدول عنها ، فإنا لا نريد أن نتخطى أمره .
فلما أخبره سلمان بذلك ، أقبل عليهم وهبط بنفسه إلى الخندق وأخذ المعول من سلمان وضرب الصخرة ضربةً صدعتها وخرج منها بريق أضاء أجواء المدينة حتى لكأنها مصباح في بيت مظلم ـ على حد تعبير الراوي ـ فكبَّر رسول
__________________
(١) : الدرجات الرفيعه / ٢١٨ .