الثمينة والنفائس
لما عرفوه من أن الدين أنفس من نفوسهم ، ومن استغلى الثمن هان عليه البيع ، وهل
عرف الناس الحقّ صراحا ، والدين يقينا ، إلاّ بعد تلك القرابين ، وهل ظهر الحقّ
على الباطل في الحجّة والبرهان إلاّ بعد ذلك الفداء.
كانت واقعة الطفّ
وتضحيات العلويّين مثالا لأرباب الدين وتعليما لرجال الحقّ عند المنافسة بين الهدى
والضلال ، والحقّ والباطل ، ولم تدع عذرا لدعاة الدين عن الفداء في سبيل النصرة ،
فإنهم بأعمالهم علّموهم كيف يكون الانتصار في هذه التضحية ، وكيف تكون الحياة في
هذا الممات ، وإنّ تلك التجارب للجام الأفواه عن العذر بالعجز ، إذ ليس النصر لفوز
العاجل وإلاّ فإن يوم الحسين وأيام العلويّين كانت أيام الظفر لأعدائهم ، ولكن ما
عرف النّاس إلاّ بعد حين أن الظفر والفوز كانا لأولئك العلويين الناهضين الذين
بذلوا ما لديهم في سبيل الدين ، وأن الخسران في الدنيا والدين لأعدائهم الظافرين
في يومهم.
وبتلك الحوادث
بانّ للعالم ما كان عليه أهل البيت من الدين والجهاد في إحياء الشريعة ، وما كان
عليه أعداؤهم من الدنيا والحرب للدين ، واتضحت نوايا الفريقين ، وبانت أقصى
غاياتهم من أعمالهم هاتيك ، وإلاّ فأيّ ذنب للطفل الرضيع وقد جفّ لبنه وذبلت شفتاه
عطشا أن يقتل على صدر أبيه ، حتّى يتركه السهم يرفرف كالطير المذبوح.
وأيّ ذنب للأطفال
الذين لم يحملوا السلاح ، ولم يلجوا حومة الحرب أن يذبحوا صبرا ، أو يداسوا بالخيل
قسرا.
وأيّ ذنب للنساء
عقائل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أن تسبى على الهزل بعد السلب والسبّ الضرب ، ولما ذا تحمل
من بلد لآخر كما تساق الإماء.
ولو أن الحسين
ورهطه قد حاربوا طلبا للسلطان لما استحقّ بعد القتل أن