يسألونك ولا يعذرونك ، فاذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال.
فهذه أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصدّقها الكتاب ، والكتاب يصدّقه أهله من المؤمنين ، ثمّ من علمتم من بعده في فضله وزهده سلمان رضياللهعنه وأبو ذر رضياللهعنه فأمّا سلمان فكان اذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنة ، حتّى يحضر عطاؤه من قابل ، فقيل له : يا أبا عبد الله أنت في زهدك تصنع هذا وأنت لا تدري لعلّك تموت اليوم أو غدا ، فكان جوابه أن قال : مالكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم عليّ الفناء ، أما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث (١) على صاحبها اذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه فاذا أحرزت معيشتها اطمأنت.
وأمّا أبو ذر رحمهالله فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ويذبح منها اذا اشتهى اللحم أو نزل به ضيف ، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة ، نحر لهم الجزور أو من الشاة على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم (٢) فيقسّمه بينهم ويأخذ هو كنصيب واحد منهم لا يتفضّل عليهم ، ومن أزهد من هؤلاء؟ وقد قال فيهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما قال ، ولم يبلغ من أمرهما أن صار لا يملكان شيئا البتّة ، كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم وشيئهم ويؤثرون على أنفسهم وعيالاتهم.
واعلموا أيّها النفر أني سمعت أبي يروي عن آبائه عليهمالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال يوما : ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن
__________________
(١) تختلط ..
(٢) القرم ـ محرّكة ـ شدّة شهوة اللحم ..