لكن ربما تسلط بعض القوى على الانسان
بغلبته على سائر القوى كالشهوة والغضب فأبطل حكم الباقي أو ضعفه ، فخرج الانسان
بها عن صراط الاعتدال إلى أودية الافراط والتفريط ، فلم يعمل هذا العامل العقلي
فيه على سلامته ، كالقاضي الذي يقضي بمدارك أو شهادات كاذبة منحرفة محرفة ، فإنه
يحيد في قضائه عن الحق وإن قضى غير قاصد للباطل ، فهو قاض وليس بقاض ، كذلك الانسان
يقضي في مواطن المعلومات الباطلة بما يقضي ، وإنه وإن سمي عمله ذلك عقلا بنحو من
المسامحة ، لكنه ليس بعقل حقيقة لخروج الانسان عند ذلك عن سلامة الفطرة وسنن
الصواب.
وعلى هذا جرى كلامه تعالى ، فإنه يعرف
العقل بما ينتفع به الانسان في دينه ويركب به هداه إلى حقائق المعارف وصالح العمل
، وإذا لم يجر على هذا المجرى فلا يسمى عقلا ، وإن عمل في الخير والشر الدنيوي فقط
، قال تعالى ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في اصحاب
السعير )
الملك ـ ١٠.
وقال تعالى : ( أفلم
يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لاتعمى
الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )
الحج ـ ٤٦ ، فالآيات كما ترى تستعمل العقل في العلم الذي يستقل الانسان بالقيام
عليه بنفسه ، والسمع في الادراك الذي يستعين فيه بغيره مع سلامة الفطرة في جميع
ذلك ، وقال تعالى : ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم
إلا من سفه نفسه )
البقرة ـ ١٣٠ ، وقد مر ان الآية بمنزلة عكس النقيض لقوله (ع) : العقل ما عبد به
الرحمن الحديث.
فقد تبين من جميع ما ذكرنا : ان المراد
بالعقل في كلامه تعالى هو الادراك الذي يتم للانسان مع سلامه فطرته ، وبه يظهر
معنى قوله سبحانه : كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون ، فبالبيان يتم العلم ،
والعلم مقدمة للعقل ووسيلة إليه كما قال تعالى : ( وتلك الامثال نضربها
للناس وما يعقلها الا العالمون )
العنكبوت ـ ٤٣.
( بحث روائي )
في سنن أبي داود عن اسماء بنت يزيد بن
السكن الانصارية ، قالت : طلقت على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
ولم يكن للمطلقة عدة فأنزل حين طلقت العدة للطلاق :