« أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ » العنكبوت ـ ٤ ، وعليهذا الإذن يمكن أن يحمل قوله تعالى : « كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ » الأنعام ـ ١٠٨ ، وإن أمكن أيضاً أن يحمل على ما مر من معنى التزيين المنسوب إليه تعالى في قوله تعالى : « إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا » الكهف ـ ٧ .
وبالجملة التزيين تزيينان : تزيين للتوسل بالدنيا إلى الآخرة وابتغاء مرضاته في مواقف الحياة المتنوعة بالأعمال المختلفة المتعلقة بالمال والجاه والأولاد والنفوس ، وهو سلوك إلهي حسن ، نسبه الله تعالى إلى نفسه كما مر من قوله : إنا جعلنا ما علی الأرض زينة لها الآيات ، وكقوله تعالى : « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ » الأعراف ـ ٣٢ .
وتزيين لجلب القلوب وإيقافها على الزينة وإلهائها عن ذكر الله وهو تصرف شيطاني مذموم ، نسبه الله سبحانه إلى الشيطان ، وحذر عباده عنه كما مر من قوله تعالى : « وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون » الآية ، وقوله تعالى فيما يحكيه من قول الشيطان : « قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ » الحجر ـ ٣٩ ، وقوله تعالى : « زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ » التوبة ـ ٣٧ ، إلى غير ذلك من الآيات .
وهذا القسم ربما نسب اليه تعالى من حيث أن الشيطان وكل سبب من أسباب الخير أو الشر إنما يعمل ما يعمل ويتصرف في ملكه ما يتصرف بإذنه لينفذ ما أراده وشاءه ، وينتظم بذلك أمر الصنع والإيجاد ، ويفوز الفائزون بحسن إرادتهم واختيارهم ، ويمتاز المجرمون .
وبما مر من البيان يظهر أن المراد من فاعل
التزيين المبهم في قوله : زين للناس حب الشهوات « إلخ » ليس هو الله سبحانه فإن التزيين المذكور وإن كان له نسبة إليه تعالى سواء كان تزييناً صالحاً لأن يدعو الى عبادته تعالى وهو المنسوب إليه بالاستقامة
أو تزييناً ملهياً عن ذكره تعالى وهو المنسوب إليه بالإذن ، لكن لاشتمال الآية على
ما
( ٣ ـ الميزان ـ ٧ )