وإنما قدر لهم ذلك ليتخذوها وسيلة إلى الدار الآخرة ويأخذوا من متاع هذه ما يتمتعون به في تلك لا لينظروا الى ما في الدنيا من زخرفها وزينتها بعين الاستقلال وينسوا بها ما ورائها ، ويأخذوا الطريق مكان المقصد في عين أنهم سائرون الى ربهم ، قال تعالى : « إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا » الكهف ـ ٨ .
إلا أن هؤلاء المغفلين أخذوا هذه الوسائل الظاهرة الإلهية التي هي مقدمات وذرائع الى رضوان الله سبحانه اموراً مستقلة في نفسها محبوبة لذاتها وزعموا أنها تغني عنهم من الله شيئاً فصارت نقمة عليهم بعد ما كانت نعمة ووبالاً بعد ما كانت مثوبة مقربة . قال تعالى : « إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ إلى أن قال : وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ الى أن قال : وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ » يونس ـ ٣٠ ؛ تشير الآيات الى أن أمر الحيوة وزينتها بيده تعالى لاولي لها دونه لكن الإنسان باغتراره بظاهرها يظن أن أمرها اليه ، وأنه قادر على تدبيرها وتنظيمها فيتخذ لنفسه فيها شركاء ـ كالأصنام وما بمعناها من المال والولد وغيرهما ، إن الله سيوقفه على زلته فيذهب هذه الزينة ، ويزيل الروابط التي بينه وبين شركائه ، وعند ذلك يضل عن الإنسان ما افتراه على الله من شريك في التأثير ويظهر له معنى ما علمه في الدنيا وحقيقته ، ورد الى الله موليه الحق .
وهذا التزين أعني : ظهور الدنيا للإنسان بزينة الاستقلال وجمال الغاية والمقصد لا يستند الى الله سبحانه فإن الرب العليم الحكيم أمنع ساحة من أن يدبر خلقه بتدبير لا يبلغ به غايته الصالحة ، وقد قال تعالى : « إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ » الطلاق ـ ٣ ، وقال تعالى : « وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ » يوسف ـ ٢١ ، بل إن استند فإنما يستند الى الشيطان قال تعالى : « وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ » الأنعام ـ ٤٣ ، وقال تعالى : « وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ » الأنفال ـ ٤٨ .
نعم لله سبحانه الإذن في ذلك ليتم أمر الفتنة
، وتستقيم التربية كما قال تعالى :