بالبصيرة
القلبية دون البصر الظاهري ، والأمر هين ، فإن الله سبحانه في كلامه يعدّ من لا يعتبر بالعبر والمثلات أعمى ، ويذكر أن العين يجب أن تبصر وتميز الحق من الباطل
وفي ذلك دعوى أن الحق الذي يدعو اليه ظاهر متجسد محسوس يجب أن يبصره البصر الظاهر ، وأن البصيرة والبصر في مورد المعارف الإلهية واحد ( بنوع من الاستعارة ) لنهاية ظهورها ووضوحها ، والآيات في ذلك كثيرة جداً ، ومن أحسنها دلالة على ما ذكرنا قوله تعالى : « فَإِنَّهَا
لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي
الصُّدُورِ
» الحج ـ ٤٦ ، أي أن الأبصار إنما هي في القلوب دون الرؤوس ، وقوله تعالى : « وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا » الأعراف ـ ١٧٩ ، والآية في مقام التعجيب
، وقوله تعالى : « وَجَعَلَ
عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً » الجاثية ـ ٢٣ ، إلى غير ذلك من الآيات
، فالمراد بالأبصار فيما نحن فيه هو العيون الظاهرية بدعوى أنها هي التي تعتبر وتفهم فهو من الاستعارة
بالكناية ، والنكتة فيه ظهور المعنى كأنه بالغ حد الحس ، ويزيد في لطفه أن المورد يتضمن التصرف في رؤية العين الظاهرة .
وظاهر قوله : إن في ذلك « الخ » أنه تتمة
لكلامه تعالى الذي يخاطب به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
وليس تتمة لقول النبي المدلول عليه بقوله : قل للذين كفروا « إلخ » ؛ والدليل عليه
الكاف في قوله : ذلك ، فإنه خطاب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
، وفيهذا العدول الى الخطاب الخاص بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
إيماء الى قلة فهمهم وعمى قلوبهم أن يعتبروا بأمثال هذه العبر .
قوله
تعالى : زين للناس حب الشهوات من النساء « إلخ »
؛ الآية وما يتلوها بمنزلة البيان وشرح حقيقة الحال لما تقدم من قوله تعالى آنفاً : إن الذين كفروا لن
تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً « إلخ » إذ يظهر منه أنهم يعتقدون الاستغناء
بالأموال والأولاد من الله سبحانه فالآية تبين أن سبب ذلك أنهم انكبوا على حب هذه المشتهيات وانقطعوا اليها عن ما يهمهم من أمر الآخرة ، وقد اشتبه عليهم الأمر فإن ذلك متاع الحيوة الدنيا ، ليس لها انها مقدمة لنيل ما عند الله من حسن المآب مع أنهم غير مبدعين في هذا الحب والاشتهاء ولا مبتكرون بل مسخرون بالتسخير الإلهي بتغريز أصل هذا الحب فيهم ليتم لهم الحيوة الأرضية فلولا ذلك لم يستقم أمر النوع الإنساني في حيوته وبقائه بحسب ما قدره الله سبحانه من أمرهم حيث قال : « وَلَكُمْ
فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ
» البقرة ـ ٣٦ .