باطلة وذكر المغرور أنه هو الذي افترى ما يغتر به من الفرية ليس من أهل الكتاب ومن اليهود خاصة ببعيد ، وقد حكى الله عنهم مثله بل ما هو أعجب من ذلك حيث قال تعالى : « وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ » البقرة ـ ٧٧ .
على أن الانسان يجري في أعماله وأفعاله على ما تحصل عنده من الأحوال أو الملكات النفسانية ، والصور التي زينتها ونمقتها له نفسه دون الذي حصل له العلم به كما أن المعتاد باستعمال المضرات كالبنج والدخان وأكل التراب ونحوها يستعملها وهو يعلم أنها مضرة ، وأن استعمال المضر مما لا ينبغي إلا أن الهيئة الحاصلة في نفسه ملذة له جاذبة إياه إلى الاستعمال لا تدع له مجالاً للتفكر والاجتناب ، ونظائر ذلك كثيرة .
فهم لاستحكام الكبر والبغي وحب الشهوات في أنفسهم يجرون على طبق ما تدعوهم اليه فريتهم فكانت فريتهم هي الغارة لهم في دينهم ، وهم مع ذلك كرروا ذكر ما افتروه على الله سبحانه ولم يزالوا يكررونه ويلقنونه أنفسهم حتى أذعنوا به أي اطمأنوا وركنوا اليه بالتلقين الذي يؤثر أثر العلم كما بينه علماء النفس فصارت الفرية الباطلة بالتكرار والتلقين تغرهم في دينهم ، وتمنعهم عن التسليم لله والخضوع للحق الذي أنزله في كتابه .
قوله تعالى : فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه الى آخر الآية ؛ مدخول كيف مقدر يدل عليه الكلام مثل يصنعون ونحوه ، وفي الآية إيعاد لهؤلاء الذين تولوا إذا دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم وهم معرضون غير أنه لما اريد بيان أنهم غير معجزين لله سبحانه اخذ في الكلام من حالهم يوم القيامة وهم مستسلمون يومئذ ما يضاهي حالهم في الدنيا عند الدعوة الى حكم كتاب الله وهم غير مسلمين له مستكبرون عنه ، ولهذا اخذ بالمحاذاة بين الكلامين ، وعبر عن ما يجري عليهم يوم القيامة بمثل قوله : إذا جمعناهم ليوم لا ريب « الخ » دون أن يقال : إذا أحييناهم أو بعثناهم أو ما يماثل ذلك .
والمعنى ـ والله أعلم ـ أنهم يتولون ويعرضون
إذا دعوا الى كتاب الله ليحكم بينهم اغتراراً بما افتروه في دينهم واستكباراً عن الحق فكيف يصنعون إذا جمعناهم