وقوله : فبشرهم بعذاب أليم تصريح بشمول الغضب ونزول السخط ، وليس هو العذاب الاخروي فحسب بدليل قوله تعالى عقيب الآية : اولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة « إلخ » فهم مبشرون بالعذاب الدنيوي والاخروي معاً ، أما الاخروي فأليم عذاب النار ، وأما الدنيوي فهو ما لقوه من التقتيل والإجلاء وذهاب الأموال والأنفس ، وما سخط الله عليهم بإلقاء العداوة والبغضاء بينهم الى يوم القيامة على ما تصرح به آيات الكتاب العزيز .
وفي قوله تعالى : اولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ، دلالة اولا : على حبط عمل من قتل رجلاً من جهة أمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر . وثانياً على عدم شمول الشفاعة له يوم القيامة لقوله : وما لهم من ناصرين .
قوله تعالى : ألم تر الی الذين اوتوا نصيباً من الكتاب إلى آخر الآية يومي الى تسجيل البغي على أهل الكتاب حسب ما نسبه الله تعالى إليهم وأنهم يبغون باتخاذ الخلاف وإيجاد اختلاف الكلمة في الدين فإنهم إذا دعوا الى حكم الكتاب كتاب الله بينهم لم يسلموا له وتولوا وأعرضوا عنه وليس ذلك إلا باغترارهم بقولهم لن تمسنا « الخ » وبما افتروه على الله في دينهم .
والمراد بالذين اوتوا نصيباً من الكتاب أهل الكتاب وإنما لم يقل : اوتوا الكتاب ، وقيل : اوتوا نصيباً من الكتاب ليدل على أن الذي في أيديهم من الكتاب ليس إلا نصيباً منه دون جميعه لأن تحريفهم له وتغييرهم وتصرفهم في كتاب الله أذهب كثيراً من أجزائه كما يومي اليه قوله في آخر الآية التالية : وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ، وكيف كان فالمراد ـ والله أعلم ـ أنهم يتولون عن حكم كتاب الله اعتزازاً بما قالوا واغتراراً بما وضعوه من عند أنفسهم واستغنائاً به عن الكتاب .
قوله تعالى : ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار « الخ » معناه واضح ، واغترارهم بفريتهم التي افترتها أنفسهم مع أن الإنسان لا ينخدع عن نفسه مع العلم بأنها خدعة باطلة إنما هو لكون المغرورين غير المفترين ؛ وعلى هذا فنسبة الافتراء الذي توسل اليها سابقوهم إلى هؤلاء المغرورين من اللاحقين لكونهم امة واحدة يرضى بعضهم بفعال بعض .
وإما لأن الاغترار بغرور النفس والغرور بالفرية
الباطلة مع العلم بكونها فرية