أيديهم من الأحكام والاوامر ؟ ولعلم به العقلاء من عامة أهل المملكة ، وكيف لا وهم يطيعون أوامره وعهوده ، ويعيشون في ملكه لكن الملك ينكر وجوده ، وعمال الدولة لا يعرفونه ، وعقلاء الرعية لا يشاهدون ما يدل على وجوده ؟ فليس .
قوله تعالى : لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، الجملة كالمعترضة الدخيلة في الكلام لاستيفاء حق معترض يفوت لولا ذكره مع عدم كونه مقصوداً في الكلام أصالة ، ومن أدب القرآن أن يظهر تعظيم الله جل شأنه في موارد يذكر أمره ذكراً يخطر منه بالبال ما لا يليق بساحة كبريائه كقوله تعالى : « قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ » يونس ـ ٦٨ ، فقوله : سبحانه قصد به التعظيم في مقام يحكى فيه قول لا يلائم حقه تعالى ، ونظيره بوجه قوله تعالى : « وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ الآية » المائدة ـ ٦٤ .
وبالجملة لما اشتمل أول الآية على شهادة الله والملائكة واولي العلم ـ بنفي الشريك كان من حق الله سبحانه على من يحكي ويخبر عن هذه الشهادة أعني المتكلم ( وهو في الآية هو الله سبحانه ) وعلى من يسمع ذلك أن يوحد الله بنفي الشريك عنه فيقول : لا إله إلا هو . نظير ذلك قوله تعالى في قصة الإفك : « وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ » النور ـ ١٦ ، فإن من حقه تعالى عليهم أن إذا سمعوا بهتاناً وأرادوا تنزيه من بهت عليه أن ينزهوا الله قبله فإنه تعالى أحق من يجب تنزيهه .
فموضع قوله : لا إله إلا هو العزيز الحكيم موضع الثناء عليه تعالى لاستيفاء حق تعظيمه ولذا تمم بالاسمين العزيز الحكيم ، ولو كان في محل النتيجة من الشهادة لكان حق الكلام أن يتمم بوصفي الوحدة والقيام بالقسط ، فهو تعالى حقيق بالتوحيد إذا ذكرت الشهادة المذكورة على وحدانيته لأنه المتفرد بالعزة التي يمنع جانبه أن يستذل بوجود شريك له في مقام الالوهية ، والمتوحد بالحكمة التي تمنع غيره أن ينقض أمره في خلقه أو ينفذ في خلال تدبيره وما نظمه من أمر العالم فيفسد عليه ما أراده .
وقد تبين بما مر من البيان وجه تكرار كلمة التوحيد في الآية ، وكذا وجه تتميمها بالاسمين : العزيز الحكيم ، والله العالم .