مقدمات عقلية نظرية وإن كانت يقينية وأنتجت اليقين .
فإذا كان الشاهد المفروض يمتنع عليه الكذب والزور بصريح البرهان كانت شهادته تفيد ما يفيده البرهان من اليقين ، والله سبحانه ( وهو الله الذي لا سبيل للنقص والباطل اليه ) لا يتصور في حقه الكذب فشهادته على وحدانية نفسه شهادة حق كما أن إخباره عن شهادة الملائكة واولي العلم يثبت شهادتهم .
على أن من أثبت له شركاء كالأصنام وأربابها فإنما يثبتها بعنوان أنها شفعاء عند الله ووسائط بينه وبين خلقه كما حكى الله تعالى عنهم بقوله : « مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ » الزمر ـ ٣ ، وكذا من اتخذ له شريكاً بالشرك الخفي من هوى أو رئيس مطاع أو مال أو ولد إنما يتخذه سبباً من الله غير أنه مستقل بالتأثير بعد حصوله له ، وبالجملة ما اتخذ له من شريك فإنما يشاركه فيما يشاركه بتشريكه لا بنفسه ، وإذا شهد الله على أنه لم يتخذ لنفسه شريكاً أبطل ذلك دعوى من يدعي له شريكاً ، وجرى الكلام مجرى قوله : « قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ » يونس ـ ١٨ ، فإنه إبطال لدعوى وجود الشريك بأن الله لا يعلم به في السموات والأرض ولا يخفى عليه شيء ، وبالحقيقة هو خبر مثل سائر الأخبار الصادرة عن مصدر الربوبية والعظمة كقوله : « سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ » يونس ـ ١٨ ، ونحو ذلك ، غير أنه لوحظ فيه انطباق معنى الشهادة عليه لكونه خبراً في مورد دعوى ، والمخبر به قائم بالقسط فكان شهادة فعبر بلفظ الشهادة تفنناً في الكلام ، فيؤل المعنى الى أنه لو كان في الوجود أرباب من دون الله مؤثرون في الخلق والتدبير شركاء أو شفعاء في ذلك لعلمه الله وشهد به لكنه يخبر أنه ليس يعلم لنفسه شريكاً فلا شريك له ، ولعلم واعترف به الملائكة الكرام الذين هم الوسائط المجرون للأمر في الخلق والتدبير لكنهم يشهدون أن لا شريك له ، ولعلم به وشهد أثره اولوا العلم لكنهم يشهدون بما شاهدوا من الآيات أن لا شريك له .
فالكلام نظير قولنا : لو كان في المملكة
الفلانية ملك مؤثر في شئون المملكة وإداره امورها غير الملك الذي نعرفه لعلم به الملك وعرفه لأنه من المحال أن لا يحس
بوجوده وهو يشاركه ، ولعلم به القوى المجرية والعمال المتوسطون بين العرش والرعية وكيف يمكن أن لا يشعروا بوجوده وهم يحملون أوامره ويجرون أحكامه بين ما في