الغريزي الذي للإنسان الى هذه الامور فكان الأنسب في التعبير أن يقال : زين للإنسان أو لبني آدم ونحوها كقوله تعالى : « لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ » التين ـ ٥ ، وقوله تعالى : « وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ الآية » الأسرى ـ ٧٠ ، وأما لفظ الناس فالأعرف منه أن يستعمل في الموارد التي فيها شيء من إلغاء الميز أو حقاره الشخص ودناءة الفكر نحو قوله : « فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا » الأسرى ـ ٨٩ ، وقوله : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ » الحجرات ـ ١٣ وغير ذلك .
واما ثالثاً : فلأن الامور التي عدها تعالى بياناً لهذه الشهوات لا تناسب التزيين الفطري إذ كان الأنسب عليه أن يبدل لفظ النساء بما يؤدي معنى مطلق الزوجية ، ولفظ البنين بالأولاد ، ولفظ القناطير المقنطرة ، بالأموال فإن الحب الطبيعي موجود في النساء بالنسبة الى الرجال كما هو موجود في الرجال بالنسبة الى النساء ، وكذا هو مغروز في الإنسان بالنسبة الى مطلق الأولاد ومطلق الأموال دون خصوص البنين وخصوص القناطير المقنطرة ؛ ولذلك اضطر القائل بكون فاعل زين هو الله سبحانه أن يقول : إن المراد حب مطلق الزوجية ومطلق الأولاد ومطلق الأموال وإنما ذكرت النساء والبنين والقناطير لكونها أقوى الأفراد وأعرفها ثم تكلف في بيان ذلك بما لا موجب له .
واما رابعاً : فلأن كون التزيين هو المنسوب الى الله سبحانه لا يلائم قوله تعالى في آخر الآية : ذلك متاع الحيوة الدنيا والله عنده حسن المآب قل أأُنبئكم بخير من ذلكم ، فإن ظاهره أنه كلام موضوع لصرفهم عن هذه الشهوات الدنيوية وتوجيه نفوسهم الى ما عند الله من الجنان والأزواج والرضوان ؛ ولا معنى للصرف عن المقدمة إلى ذي المقدمة فإن في ذلك مناقضة ظاهرة وإبطالاً للأمرين معاً كالذي يريد الشبع ويمتنع عن الأكل .
فان قلت : الآية أعني قوله : زين للناس حب الشهوات « إلخ » بحسب الملخص من معناها مساوقة لقوله تعالى : « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ » الأعراف ـ ٣٢ ، ولازم انطباق المعنى أن يكون فاعل التزيين في هذه الآية أيضاً هو الله سبحانه .