ومن عجيب أمر هذا الرجل أنّه إذا ابتدع شيئاً حكى عليه إجماع الأولين والآخرين كذباً وزوراً ، وربما تجد تناقضه في الصفحة الواحدة ، فتجده في منهاجه مثلا يدّعي أنّه ما من حاديث إلاّ وقبله حادث إلى ما لا نهاية له في جانب الماضي ، ثم يقول : وعلى ذلك أجمع الصحابة والتابعون. وبعد قليل يحكي اختلافاً لحق الصحابة في أول مخلوق ما هو؟ أهو القلم أم الماء؟ وبينما تراه يتكلّم بلسان أهل الحق المنزهين ، إذا بك تراه قد انقلب جهوياً (١) وسمّى كل من لا يقول بذلك معطّلا ، وزنديقاً ، وكافراً ، وقد جمع تلميذه « ابن زفيل » سفاهاته ووساوسه في علم أصول الدين ، في قصيدته النونية ، وبينما تراه يسب جهماً والجهمية ، إذا بك تراه يأخذ بقوله في أنّ النار تفنى ، وأن أهلها ليسوا خالدين فيها أبداً ـ إلى أن قال ـ : وليس من غرضنا بسط الكلام في بدع هذا الرجل ، فقد كفانا العلماء ـ شكر اللّه سعيهم ـ من عصره إلى هذا العهد ، المؤنة بالتصانيف الممتعة في الرد عليها ، ولكن رفع الجهل رأسه في عصرنا هذا ، وانتدب ناس من شيعته لطبع الكثير من كتبه وكتب تلميذه ابن زفيل ، ففضحوا الرجل وشهّروا به عند المحققين من أهل الفقه في الدين ، وتبينت صحة نسبة ما كان يتورع العلماء عن نسبته إليه ، وإنّ نصيحتي الّتي أسديها لكن مسلم نصيحة للّه ولرسوله ولكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم ، هي لزوم جماعة المسلمين في أُصول الدين وفروعه ، ولولا أنّي اشفق على القارىء أن يملّ لتحدّثت إليه طويلا فيما أصاب الإسلام والمسلمين من عظائم هذا الرجل ، ولبسطت له ما قال أكابر العلماء فيه وفي شيعته ، ولكنّي أرجو أن يكون ما قدّمته كافياً لذوي النهى » (٢).
١٨ ـ الشيخ محمد أبو زهرة ( ١٣١٦ ـ ١٣٩٦ هـ )
ألّف الشيخ محمد أبو زهرة ، كتاباً في حياة ابن تيمية وشخصيته ، ومع
__________________
١ ـ كذا في النسخة ولعل المراد : « جهمياً ».
[أو لعل المراد : نسبته إلى من يقول في اللّه بالجهة] الناشر.
٢ ـ فرقان القرآن ص ١٣٢ ـ ١٣٧ وقد فرغ المؤلف منه سنة ١٣٥٨ هـ.