أنّه أغمض عن كثير من الجوانب السلبية في حياته ، وأخرج كتابه على وجه يلائم روح المحايدة في الكتابة ، ومع ذلك انتقد عليه في موارد ، ومنها : منعه التبرك بآثار النبي. يقول : « دفن النبي في حجرة عائشة لأنّ يكون قبره قريباً من المسجد ، وأن يكون قبره معروفاً غير مجهول ، فإنّه لو دفن بالبقيع في الصحراء ، فقد يجهل موضعه ، ويكون بعيداً عن مسجده ، وأمّا إذا دفن في حجرة عائشة فإنّه يكون قريباً من مهبط الوحي ومبعث الدعوة ومكان التنزيل ، وبعد فإنّا نخالف ابن تيمية منعه التبرك بزيارة قبر الرسول والمناجاة عنده ، وعدم الندب إليه ، وإنّ التبرك الّذي نريده ليس هو العبادة أو التقرب إلى اللّه بالمكان. إنّما التبرك هو التذكّر والاعتبار والاستبصار. وأىّ امرىء مسلم علم حياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وسيرته ، وهدايته ، وغزواته وجهاده ، ثم يذهب إلى المدينة ولا يحس بأنّه في هذا المكان كان يسير الرسول ويدعو ويعمل ، ويدبّر ويجاهد ، أو لا يعتبر ـ ولا يستبصر ، أو لا يحس بروحانية الإسلام وعبقرية النبي الأمين ، أو لا تهزّ أعطافه محبة للّه ورسوله والأخذ بما أمر اللّه به ، والانتهاء عما نهى عنه إلاّ من أعرض عن ذكر اللّه ولم يكن من أولي الأبصار؟ إنّ الزيارة إلى قبر الرسول هي الذكرى والاعتبار ، والهدي والاستبصار والدعاء عند القبر دعاءً ، القلب خاشع ، العقل خاضع ، والنفس مخلصة ، والوجدان مستيقظ ، وإنّ ذلك أبرك الدعاء » (١).
وهذه النصوص الرائعة من أئمة الحديث والتفسير والكلام في حق الرجل تغنينا عن إفاضة القول فيه ، وقد اكتفينا بهذا المقدار عن الكثير ، فإنّ الناقدين له أكثر مما ذكرنا. وقد نشر كتيب باسم « الوهابية في نظر المسلمين » (٢) وذكر بعض من لم نذكره ، كما أنّه لم يذكر بعض ما ذكرنا من النصوص.
والّذي يعرب عن أنّ الرأي العام يوم ذاك كان على ضدّه هو أنّ لفيفاً من العلماء من معاصريه والمتأخرين عنه ردّوا عليه بكتب ورسائل فندوا فيها شُبَهَ
__________________
١ ـ ابن تيمية حياته وشخصيته ص ٢٢٨.
٢ ـ تأليف : إحسان عبداللطيف البكري.