ظل المشايخ يستنكرون المخترعات الحديثة
الّتي ترد إلى البلاد ، فاستنكروا الحاكي والسينما والأنوار الكشافة والطائرات ،
فهم يعتقدون في الطائرات مثلا أن ركابهم يتحدَّون ربهم بها .
وحين بدأ الأمريكيون ينقبون عن النفط في
منطقة الظهران ، قال المشايخ لابن سعود : لا يجوز دخول الكفار البلاد لأنهم يفسدون
الرجال والنساء ، ويدخلون الخمر والفوتوغراف وما شاكل ذلك من الأمور الشيطانية إلى
داخل البلاد ، ومن الطرائف الّتي تروى في هذا الصدد أن جماعة من البريطانيين زاروا
ابن في قصره في الرياض ، وبينما هم في القصر حلّ وقت الصلاة ، فقام ابن سعود
وحاشيته يصلون خلف إمام لهم ، فقرأ الإمام في الركعة الأولى قوله تعالى : ( وَلاَ
تَركَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ) وأعاد قراءة الآية في الركعة الثانية ،
ولما انتهت الصلاة زحف ابن سعود من مكانه نحو الإمام وأشبعه وخزاً وركلا ، وهو
يؤنبه قائلا : « ما لك بالسياسة يا خبيث ، وما الّذي تقصده من ترديد هذه الآية في
كل ركعة؟ أفلا توجد آيات غيرها » .
فلم تُجْدِ اعتراضات الإخوان ومعارضة
المشايخ نفعاً.
وهنا يقف القارىء على تطور الوهابية في
سيرها التاريخي ، فمبادىء الوهابية هي الّتي كان الإخوان يطلبونها ، فقضى عليهم
عبد العزيز بالسيف والنار ، ثم ما يطلبه المشايخ من تحريم العلم الحديث
والاختراعات الحديثة وإيقاف المجتمع على ما كان عليه من السذاجة والبساطة ، وهؤلاء
يستنكرون ، وعبد العزيز كان يعمل بقوة وقدرة ، ويسقطب الرأي العالم لصالحه ، فلم
يجد المشايخ بدّاً من السكوت. وأين هذه المباديء الّتي تسوق إلى الأُمية من وهابية
اليوم الّتي يدرس مشايخها في الجامعات الحديثة وينالون الدرجات العلمية الرائجة في
الغرب ، ويأكلون ويلبسون ويسافرون مثل الإفرنج ، حتّى أنّ مفتي المملكة تذاع خطبه
مباشرة عن طريق وسائل الإعلام السمعية والبصرية ، وها هنّ البنات يدرسن في
الجامعات في مختلف العلوم ،
__________________