ظل المشايخ يستنكرون المخترعات الحديثة الّتي ترد إلى البلاد ، فاستنكروا الحاكي والسينما والأنوار الكشافة والطائرات ، فهم يعتقدون في الطائرات مثلا أن ركابهم يتحدَّون ربهم بها (١).
وحين بدأ الأمريكيون ينقبون عن النفط في منطقة الظهران ، قال المشايخ لابن سعود : لا يجوز دخول الكفار البلاد لأنهم يفسدون الرجال والنساء ، ويدخلون الخمر والفوتوغراف وما شاكل ذلك من الأمور الشيطانية إلى داخل البلاد ، ومن الطرائف الّتي تروى في هذا الصدد أن جماعة من البريطانيين زاروا ابن في قصره في الرياض ، وبينما هم في القصر حلّ وقت الصلاة ، فقام ابن سعود وحاشيته يصلون خلف إمام لهم ، فقرأ الإمام في الركعة الأولى قوله تعالى : ( وَلاَ تَركَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ) وأعاد قراءة الآية في الركعة الثانية ، ولما انتهت الصلاة زحف ابن سعود من مكانه نحو الإمام وأشبعه وخزاً وركلا ، وهو يؤنبه قائلا : « ما لك بالسياسة يا خبيث ، وما الّذي تقصده من ترديد هذه الآية في كل ركعة؟ أفلا توجد آيات غيرها » (٢).
فلم تُجْدِ اعتراضات الإخوان ومعارضة المشايخ نفعاً.
وهنا يقف القارىء على تطور الوهابية في سيرها التاريخي ، فمبادىء الوهابية هي الّتي كان الإخوان يطلبونها ، فقضى عليهم عبد العزيز بالسيف والنار ، ثم ما يطلبه المشايخ من تحريم العلم الحديث والاختراعات الحديثة وإيقاف المجتمع على ما كان عليه من السذاجة والبساطة ، وهؤلاء يستنكرون ، وعبد العزيز كان يعمل بقوة وقدرة ، ويسقطب الرأي العالم لصالحه ، فلم يجد المشايخ بدّاً من السكوت. وأين هذه المباديء الّتي تسوق إلى الأُمية من وهابية اليوم الّتي يدرس مشايخها في الجامعات الحديثة وينالون الدرجات العلمية الرائجة في الغرب ، ويأكلون ويلبسون ويسافرون مثل الإفرنج ، حتّى أنّ مفتي المملكة تذاع خطبه مباشرة عن طريق وسائل الإعلام السمعية والبصرية ، وها هنّ البنات يدرسن في الجامعات في مختلف العلوم ،
__________________
١ ـ فيلبي ، عبداللّه : تاريخ نجد ، ص ٣٥٦.
٢ ـ المميز ، أمين : المملكة العربية السعودية كما عرفتها ، ص ١٢٦ ـ ١٢٩.