والمغالطة في كلامه واضحة ، فإنّ الدعاء في قوله : « ادعوا ربكم » مساوق للعبادة لا بمعنى أن الدعاة بمعنى العبادة ، بل معناه أن الدعوة إذا انبثقت من الاعتقاد بالألوهية والربوبية تصير مصداقاً للعبادة ، وجزءاً من جزئياته ، كما أن المراد من قوله : « والدعاء مخ العبادة » هو أن الدعاء مخ العبادة ، أو دعاء من يعتقد أنه ند للّه في جميع الشؤون أو بعضها مخ العبادة ، وأين هو من دعوة الأنبياء والصالحين الذين لا يُدعَوْن إلاّ بعنوان أنهم عباد صالحون لا يعصون اللّه ما أمرهم وهم بأمره يعملون ، ولا يملكون شيئاً لأنفسهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً إلاّ بإذن اللّه ، أفهل تكون الدعوتان متماثلتين حتّى تشتركا في الحكم؟
وإنك إذا تتبعت كلماته وجمله في هذا الكتاب يظهر لك أنه يحاول التضليل من طريق تشبيه توسل المسلمين ودعائهم ، بعمل المشركين وعبدة الأوثان ، بالتمسك بمشابهات ومشاركات بعيدة ، وتناسى ما هو البون الشاسع بين الأُمتين والدعوتين.
قال زيني دحلان : كان محمد بن عبدالوهاب يخطب للجمعة في مسجد الدرعية ويقول في كل خطبة : ومن توسل بالنبي فقد كفر ، وكان أخوه الشيخ سليمان ينكر عليه إنكاراً شديداً ، فقال لأخيه يوماً : كم أركان الإسلام يا محمد؟ فقال : خمسة (١) فقال أنت جعلتها ستة : السادس : من لم يتبعك فليس بمسلم ، هذا عندك ركن سادس للإسلام.
وقال رجل آخر : كم يعتق اللّه كل ليلة في رمضان؟ فقال له : يعتق في كل ليلة مائة ألف ، وفي آخر ليلة ، يعتق مثل ما أعتق في الشهر كله ، فقال له : لم يبلغ من اتّبعك عشر ما ذكرت ، فمن هؤلاء المسلمون الذين يعتقهم اللّه تعالى ، وقد حصرت المسلمين فيك وفي من اتّبعك؟ فبهت الّذي كفر.
ولما طال النزاع بينه وبين أخيه فخاف على نفسه ، فارتحل إلى المدينة المنورة ، وألّف رسالة في الرد على محمد بن عبدالوهاب وأرسلها له ، فلم
__________________
١ ـ يشير إلى ما رواه البخاري في كتاب الإيمان.