القُبُورِ ) (١) ، والرسول بعد أن توفّاه اللّه هو من الموتى ومن أهل القبور ، فثبت انه لا يسمع دعاء أحد من أهل الدنيا (٢).
ولكنّه غفل عن أنّ طرف المحاورة ليس الأجساد الخالية عن الأرواح ، بل أرواح هذه الأبدان ، فإنّ لها عيشة برزخية مقترنة مع بدن برزخي. وأمّا الوقوف على القبر ـ مع أنّ التكلّم مع أرواحهم لا مع أجسادهم ـ فإنما هو لأجل تحصيل حالة نفسانية يستطيع معها الإنسان التوجه إلى أرواحهم ، والالتفات إليهم حتّى يكلمهم بما يقصد.
ومن عجيب الأمر أنه يقول : إنّ قوله سبحانه : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ... ) يختص بالمنافقين ، فعلى ما ذكره يكون المنافق أعز عند اللّه من المؤمن ، حيث يجوز للأول ، طلب الاستغفار منه دون المؤمن ، فهو أشمل لرحمة اللّه من الثاني « فاقض ما أنت قاض » مع أنّ مورد الآية لا يخصّص إطلاقها ، بل الآية عامة لكل من ظلم نفسه سواء أكان منافقاً أم غيره.
هذا عمدة ما استدل به الكاتب على عدم صحة الاحتجاج بالرواية ، وأمّا الإشكال على سنده ، أو اشتمال متنه على الشذوذ فلا يضر أبداً ، فلنفترض نحن أنّ السند ضعيف ، وأنّ في المتن بعض الإشكال ، لكن لو كان التوسل بدعاء النبي بعد رحلته شركاً يوجب الخروج عن الدين ، أو أمراً محرّماً يجب أن يتوب عنه المسلم ، فلماذا قامت جموع كثيرة من المحدثين بنقله والاحتجاج به ، أوَ ليس عاراً على محدّث إسلامي أن ينقل في جامعه وكتابه أثراً يشتمل على الشرك والأمر المحرّم الواضح ، ولا يعود عليه بشيء.
ولنفترض أنّ الراوي وضع هذا الحديث ولم يكن له حقيقة ، ولكن الواضع إنما يضع الحديث لأجل إلفات الناس إليه ، فلو كان ذلك الأمر موجباً للشرك أو ما يقارنه ، فالدواعي تكون عن وضعه مصروفة. كل ذلك يعرب
__________________
١ ـ سورة فاطر : الآية ٢٢.
٢ ـ التوصل إلى حقيقة التوسل ، ص ٢٦٨.