حتّى أنهم اليوم يعتبرون ذلك شركاً ، وكل من فعل ذلك يكون عندهم مشركاً ، وإليك توضيح المسألة :
١ ـ لا شك أنّ إقامة الصلاة عند القبور لغاية عبادة صاحب القبر أو اتخاذه قبلة شرك ، ولكن لاتجد على وجه البسيطة مسلماً يفعل ذلك ، بل لا يحوم حوله البعداء من الأوساط الإسلامية ، فضلا عن المتحضّرين منهم ، المتواجدين في الأوساط الدينية.
٢ ـ إنّ هدف المسلمين من إقامة الصلاة والدعاء عند قبور الأولياء ، هو التبرك بالمكان الّذي احتضن جسد حبيب من أحبّاء اللّه ، فيتمتع ذلك المكان بمنزلة سامية ، فالصلاة والدعاء هناك يعودان بثواب أكثر على فاعلهما.
إنّ لمشاهد الأولياء ومراقدهم شرفاً وفضيلة خاصة لا توجد في غيرها ، ولأجل ذلك أوصى الشيخان بدفنهما في جوار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فالمصلي لدى قبورهم لا يقصد سوى ما قصده الشيخان لا غير. فلو كان قصد التبرك بمكان شركاً فلماذا أوصى الشيخان بالدفن بجوار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟.
٣ ـ إنّ القرآن الكريم يأمر حجاج بيت اللّه الحرام بإقامة الصلاة عند مقام إبراهيم ، وهو الصخرة الّتي وقف عليها إبراهيم لبناء الكعبة ، فيقول : ( وَإذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً للنّاسِ وَأمْناً وَاتَّخذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهيمَ مُصَلّىً ) (١).
إنّ الصلاة في مقام إبراهيم لأجل التبرك بمقام النبي إبراهيم ، فلو كانت عبادة اللّه تبارك وتعالى مقرونة بالتبرك بمكان المخلوق شركاً ، فلماذا أمر به سبحانه ، فهل هناك فرق بين مقامهم ومثواهم؟.
٤ ـ سأل المنصور العباسي مالك بن أنس وهما في مسجد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا أبا عبد اللّه ، أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول اللّه؟ فقال مالك : لم تصرف عنه ، وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى اللّه يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعك اللّه (٢).
____________
١ ـ سورة البقرة : الآية ١٢٥.
٢ ـ وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٣٧٦.