إنسان يذكر أمر عيسى لا يخاف ، ثم قال في نفسه : لعل هذه ليست بالمدينة الّتي أعرف ... » (١).
وهذا يعرب عن أنّ الأكثرية الساحقة كانت موحدة مؤمنة متدينة بشريعة المسيح ، رغم ما كانوا على ضده قبل ثلاثمائة سنة.
وقال في تفسير قوله تعالى : ( فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْياناً ) فقال الذين أعثرناهم على أصحاب الكهف : ابنوا عليهم بنياناً ربهم أعلم بهم يقول : رب الفتية أعلم بشأنهم وقوله : « قَالَ الّذينَ غَلَبُوا عَلَى أمْرِهِم » يقول جلّ ثناؤه : قال القوم الذين غلبوا على أمر أصحاب الكهف لنتخذنّ عليهم مسجداً.
وقد نقل عن عبداللّه بن عبيد بن عمير : فقال المشركون نبني عليهم بنياناً ، فإنهم آباؤنا ، ونعبد اللّه فيها. وقال المسلمون : نحن أحق بهم ، هم منّاً ، نبني عليهم مسجداً ونعبد اللّه فيه (٢).
وبذلك يعلم أنّ ما ذكره الألباني في الرد على الاستدلال بالآية ، من أنّ المراد من الغالبين هم أهل السلطة ولا دليل على حجية فعلهم ، رجم بالغيب ، فإنّ ما ذكره الطبري يدل على أنّ المراد هو الغلبة في مجال الدين ، وتدهور الوثنية وازدهار التوحيد.
وهذا يدلّ على أنّ سيرة العقلاء في العالم تكريم موتاهم ، وأنّ سيرة المؤمنين الموحدين اتخاذ مقابر الصالحين مساجد ليتبركوا بوجودهم وأجسادهم الذين كرسوا حياتهم في إشادة قوائم التوحيد ورفعوا صرحه ، وكيف يتصور ممن قام بتكريم إمام الموحدين وسيدهم ، أن ينحرف عن خطه الأصيل ( التوحيد ) ويعبد غيره سبحانه ويكون مشركاً ، إلاّ إذا كان منحرفاً وأشرب في قلبه العجل ـ أعادنا اللّه من وساوسهم.
__________________
١ ـ تفسير الطبري ج ١٥ ص ٢١٩ طبع مصطفى الحلبي بمصر ، سورة الكهف الآية ١٩.
٢ ـ تفسير الطبري ج ١٥ ص ٢٢٥ ، ولاحظ تفسير القرطبي والكشاف للزمخشري وغرائب القرآن للنيسابوري في ذيل هذه الآية.