غير أنّه خشي أن يتّخذ مسجداً (١)
إنّ المسلمين بعدما دفنوا الّنبي في بيته سوّروه بحائط مستدير ، لا مربّع ، لئلا يشابه الكعبة.
ومن المعلوم أنّ التسوير بالجدران وعدم إبراز قبره إنما يمنع عن اتخاذه مسجوداً له أو قبلة ، وأمّا الصلاة في جنبه فلم يكن الجدار مانعاً عن إقامة الصلاة.
ومراد السيدة عائشة : إنّ عدم إبراز القبر وستره بالحيطان منع المسلمين عن أن يرتكبوا ما كان اليهود والنصارى يرتكبونه.
ومن المعلوم أنّ الجدران منعت عن الصور الشركية كصورة اتخاذه مسجوداً له أو قبلة ، لا إقامة الصلاة المجردة من هذه الضمائم.
وهذا دليل واضح على أنّ الحديث كان بصدد نهي المسلمين عن اتخاذ القبر مسجوداً له أو قبلة.
والعجب من الشيخ الالباني حيث أراد استغلال الحديث لتأييد مذهبه ، وموقفه ، وفسِّر قولها : « فلولا ذاك لأبرز قبره » بأنّ المقصود هو الدفن خارج بيته ، مع أنّ العبارة لا تتحمّل هذا ، لانها تركزّ على ا لقبر الموجود ، فيكون المقصود : ولو لا ذاك لكشف قبره ولم يتخذ عليه حائط.
٥ ـ قال أبو هريرة : قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : أللّهمّ لا تجعل قبري وثناً ، لعن اللّه قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
إنّ العلاقة بين الجملتين تكشف عن أنّ المقصود هو : اتخاذ قبور الأنبياء مساجد على نحو يعود القبر وثناً يعبد ، أو يصلى إليه.
وأمّا الصلاة للّه تبارك وتعالى وإلى الكعبة عند القبر تبركاً به فلا تجعل القبر وثناً يعبد ، وهذا هو قول اللّه تعالى وهو يأمر الحجيج باتّخاذ مقام إبراهيم مصلّى ، ويقول : ( وَاتَّخِذوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى ) (٢).
__________________
١ ـ البخاري ج ٣ ص ١٥٩ ومسلم ج ٢ ص ٧٦.
٢ ـ سورة البقرة : الآية ١٢٥.