وليست الصلاة عند القبر إلاّ كمثل الصلاة عند مقام إبراهيم.
غير أنّ جسد النبي إبراهيم قد لامس هذا المكان مرة أو مرات عديدة ، ولكن مقابر الأنبياء احتضنت أجسادهم الّتي لا تبلى دائماً.
٦ ـ إنّ علماء الحديث وجهابذته فهموا من هذه الأحاديث نفس ما قلناه ، وإن لم يذكر الألباني وغيره شيئاً من هذه التفاسير.
أ ـ يقول العسقلاني : إنّما صوّروا أوائلهم الصور ليستأنسوا بها ، ويتذكروا أفعالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم ، ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أنّ أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها ... إلى أن يقول : قال البيضاوي : لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لشانهم ، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها ، واتخذوها أوثاناً ، لعنهم ومنع المسلمين عن مثل ذلك. فأمّا من اتخذ مسجداً في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه ، لا للتعظيم ولا للتوجه نحوه ، فلا يدخل في الوعيد المذكور (١).
ب ـ ويقول النووي في شرح صحيح مسلم : قال العلماء إنما نهى النبي عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به ، فربما أدّى ذلك إلى الكفر ، كما جرى لكثير من الأُمم الخالية. ولما احتاجت الصحابة والتابعون إلى زيادة في مسجد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم حين كثر المسلمون ، وامتدّت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أُمهات المؤمنين فيه ، ومنها حجرة عائشة ، مدفن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وصاحبيه ، بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله لئلاّ يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويعود المحذور. ولهذا قالت عائشة في الحديث عنه : ولو لا ذلك لأبرز قبره ، غير أنّه خشي أن يتّخذ مسجداً (٢).
ج ـ وقال السندي شارح الصحيح للنسائي : اتخذوا قبور أنبيائهم
__________________
١ ـ فتح الباري في شرح صحيح البخاري ج ١ ص ٥٢٥ ط دار المعرفة ، وقريب منه ما في إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري ج ٢ ص ٤٣٧ باب بناء المساجد على القبور.
٢ ـ صحيح مسلم بشرح النووي ، ج ٥ ص ١٣ ـ ١٤.