مراقد الأنبياء والأولياء ، في مختلف البلاد شرقها وغربها ، وهذا دليل قاطع على أنّ هذه السيرة كانت مرضية عن صاحب الشريعة وخلفائه وأصحابه ، وإلاّ كان عليهم رفضها وردها بالبنان والبيان ، والسلطة والقوة ، فالسكوت في بعض الفترات ودعمها في بعض الأحايين أدلّ دليل على كونها سيرة مرضية.
نعم ، إذا كان اتّخاذ المقابر مساجد على النحو الرائج عند اليهود والنصارى فهو محرّم ، وقد نصّ الرسول على تحريمه ، كما تأتي الروايات مع توضيحها ، وهو مسألة أُخرى غير مجرّد البناء على القبور الّذي هو مسألتنا.
هذا هو السلف الصالح قد وقفوا ـ بعد ما فتحوا الشام ـ على قبور الأنبياء ذوات البناء الشامخ... فتركوها على حالها من دون أن يخطر ببال أحدهم وعلى رأسهم عمر بن الخطاب بأنّ البناء على القبور أمر محرّم يجب أن تهدم ، وهكذا الحال في سائر القبور المشيدة عليها الأبنية في أطراف العالم ، وإن كنت في ريب فاقرأ تواريخهم ، وإليك نص ما جاء في دائرة المعارف الإسلامية :
إنّ المسلمين عند فتحهم فلسطين وجدوا جماعة من قبيلة « لخم » النصرانية يقومون على حرم إبراهيم بـ « حبرون » ولعلهم استغلوا ذلك ففرضوا أتاوة على حجاج هذا الحرم .. وربما يكون توصيف تميم الداري نسبة إلى الدار ، أي : الحرم ، وربما كان دخول هؤلاء اللخميين للإسلام ، لأنّه قد مكّنهم من القيام على حرم إبراهيم الّذي قدّسه المسلمون تقديس اليهود والنصارى من قبلهم (١).
وجاء أيضاً في دائرة المعارف الإسلامية في مادة « الخليل » : ويقول المقدسي ، وهو أول من أسهب في وصف الخليل : إنّ قبر إبراهيم كانت تعلوه قبة بنيت في العهد الإسلامي ، ويقول مجير الدين : إنها شيدت في عهد الأمويين ، وكان قبر إسحاق مغطّى بعضه ، وقبر يعقوب قباله ، وكان المقدسي أول من ذكر تلك الهبات الثمينة الّتي قدّمها الأُمراء الورعون من أقاصي البلاد إلى هذا الضريح ، وذلك الاستقبال الكريم الّذي يلقاه الحجاج من جانب
__________________
١ ـ دائرة المعارف الإسلامية ج ٥ ص ٤٨٤ مادة تميم الداري.