اختلفوا على قولين : فمن قائل : ( ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً ) (١).
ومن قائل آخر : ( لَنَتَّخِذَنّ عَليْهِم مَسْجداً ) (٢).
والاستدلال بالآية واضح لمن يرى القرآن قدوة وأُسوة.
فإنّ القرآن ينقل كلا القولين ، من دون أن ينتقدهما أو يعترض عليهما ويردع عنهما بل الظاهر أنّه ينقلهما بصورة التحسين ، وأنّ أصحاب الكهف بلغ بهم ثباتهم في طريق العقيدة إلى حد لما عثر عليهم الناس اجتمعوا على تكريمهم واحترامهم ، بل التبرك بهم ، فمن قائل بلزوم البناء عليهم. وآخر باتخاذ مراقدهم مسجداً ، وليس القرآن كتاب قصة وأُسطورة ، وإنما هو كتاب إرشاد وقدوة وإمام. فلو كانوا في عملهم هذا ضالين لعلق على قولهم بشىء أو عابه ، كما هو الحال فيما ينقل عن المشركين ، والكافرين ، عملا ، أو رأياً.
قال سبحانه حاكياً كيفية غرق فرعون : ( حَتّى إذَا أدْرَكَهُ الغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أنّهُ لاَ إلهَ اَلاّ الّذي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إسرائيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ ) (٣) ولأجل إيقاف المؤمنين على أنّ الإيمان في هذا الظرف غير مفيد ، عقّب عليه بقوله : ( ألآن وَقَد عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفسِدِينَ ) (٤).
فلأجل ذلك يكون القرآن قدوة في كل ما ينقله من أعمال الماضين ، إلاّ إذا عقّب عليه بالرد ، أو دلّت القرائن على كونه عملا غير مقبول.
٢ ـ السيرة المستمرة بين المسلمين
لم يزل الإلهيون من أهل الكتاب والمسلمين في قاطبة الأعصار يهتمون بمقابر الأنبياء والأولياء بالبناء والتعمير ، ثم التطهير والتنظيف ، حتّى نرى أنّ كثيراً من المتمكّنين يخصصون أموالهم ويوقفونها في هذا المجال.
فهذه القباب الشاهقة ، والمنائر الرفيعة ، والساحات الوسيعة حول
__________________
١و٢ ـ سورة الكهف : الآية ٢١.
٣ ـ سورة يونس : الآية ٩٠.
٤ ـ سورة يونس : الآية ٩١.