شامخة المباني غير أنّ الوهابيين لما استولوا على المدينة هدموا قبر مالك. وهذه القبور قد شيدت وبنيت في الأزمنة الّتي كانت حافلة بالعلماء وأرباب الفتاوى ، وزعماء المذهب ، فما أنكر منهم ناكر ، وليس هذا رائجاً بين المسلمين فقط ، بل جرى على هذا جميع عقلاء العالم ، بل يعد تعمير قبور الشخصيات من غرائز البشر ومقتضيات الحضارة وشارة الرقي ، فكل هذا دليل على الجواز لو لم نقل يفوق ذلك ، ولو لم تكن تلك السيرة المسلمة بين المسلمين والعقلاء عامة غير مفيدة في المقام ، فلا يصحّ الاستناد إلى أية سيرة قاطعة بين المسلمين أو الناس.
وليس يصحّ في الأذهان شيء |
|
إذا احتاج النهار إلى دليل |
النتائج المحمودة لحفظ الآثار الإسلامية
إنّ المحافظة على آثار الأنبياء وخاصة آثار النبي الأكرم من قبره وقبور زوجاته وأولاده وأصحابه والشهداء الذين ضحوا بانفسهم في سبيل دينه ، نتائج محمودة لا تستغني عنها الأُمة الإسلامية في وقت من الزمن ، فإنّ الشريعة الإسلامية خاتمة الشرائع ، وكتابه خاتم الكتب ، ونبيه خاتم الأنبياء ، فهي حجة على الناس إلى قيام الساعة الّتي لا يحيط بوقتها إلاّ اللّه تعالى ، قال سبحانه :
( قُلْ إنَّما عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ، لاَ يُجَلِّيَها لِوَقْتِهَا إلاّ هُوَ ) (١).
فمن الممكن أن تمر على عمر الدنيا ، وبالتالي على عمر الشريعة الإسلامية آلاف السنين ، فالقضاء على آثار الشريعة ومعالم وجود نبيها يجعلها في معرض التشكيك والتردد ، وأنه هل لما يدّعيه المسلمون من الرجة الكبرى ببعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومواقفه وقضاياه وتشريعاته مسحة حق؟ بل ربما تحولها بعد مدة إلى أُسطورة تاريخية ، حيث لا يجد الناس بعد حقب من الدهر آثاراً ملموسة من صاحب الشريعة ، وليس هذا شيئاً غريباً ، وهذه هي المسيحية قد مضى من عمرها عشرون قرناً ، وقد تحول المسيح وأُمه العذراء
____________
١ ـ سورة الأعراف : الآية ١٨٧.