« يكره أن يبنى القبر ببيت أو قبة أو مدرسة أو مسجد » (١) :
وهذا شارح صحيح مسلم يقول في شرح حديث أبي الهياج : أمّا البناء فإن كان في ملك الباني فمكروه ، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام ، نص عليه الشافعي والأصحاب (٢).
وتحريم البناء ـ عندئذ ـ لأجل عنوان عرضي لا ذاتي ، وهو المزاحمة لأهداف الواقف وأغراضه.
٣ ـ سيرة المسلمين وعملهم منذ أن ارتحل النبي الأكرم إلى يومنا هذا ، سوى الوهابيين.
أما سيرة المسلمين فحدّث عنها ولا حرج ، فقد دفن النبي الأكرم في بيته الرفيع ، ولم يخطر ببال أحد من الصحابة الحضور أن البناء على القبر حرام ، وأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عنه نهياً شديداً ، ولما كان البيت متعلّقاً بزوجته ( عائشة ) جعلوا في وسطه ساتراً ، ولما توفي الشيخان أوصيا بدفنهما في حجرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تبرّكاً بذاته ومكانه ، ولم تسمع من أيّ ابن أُنثى نعيرة أنّه حرام ولا مكروه ، وعلى ذلك استمرت سيرة المسلمين في حق الصلحاء والأولياء والعلماء ، يدفنونهم في البيوت المعدة لذلك ، أو يرفعون لمراقدهم قواعد وسقفاً بعد الدفن تكريماً لهم وتقديراً لتضحياتهم ، ولم يخطر ببال أحد أنه على خلاف الدين والشرع.
وهذا عمل المسلمين وسيرتهم القطعية في جميع الأقطار والأمصار ، ملء المسامع والأبصار على اختلاف نزعاتهم ، من بدء الإسلام إلى هذا العصر من الشيعة والسنة ، وأىّ بلاد من بلاد الإسلام من مصر أو العراق أو الحجاز أو سوريا ، وتونس ومراكش وإيران ، وهلمٌ جرّاً ليس فيها قبور مشيدة ، وضرائح منجدة وهؤلاء أئمة المذاهب : الشافعي في مصر ، وأبو حنيفة في بغداد ، ومالك بالمدينة ، وتلك قبورهم من عصرهم إلى اليوم شاهقة القباب ،
__________________
١ ـ الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٤٢١.
٢ ـ صحيح مسلم بشرح النووي ج ٧ كتاب الجنائز طبع مصر.