أضف إلى ذلك جريان السيرة بين المسلمين حتّى في نفس عصر الصحابة والتابعين على زيارة السيدات لقبور أعزائها ، فهذه السيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام كانت تخرج إلى زيارة قبر عمها حمزة في كل جمعة ، أو أقلّ من ذلك ، وكانت تصلّي عند قبره وتبكي (١).
وهذه عائشة زوجة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما جاءت إلى مكة خرجت لزيارة قبر أخيها عبدالرحمن بن أبي بكر ، وأنشدت بيتين من الشعر في رثائه (٢).
هذا كله في زيارة قبور المسلمين ، وأمّا زيارة أوليائهم من النبي والأئمة والشهداء والصالحين فلا شك أنّ لزيارتهم نتائج بنّاءة ، نشير إليها :
إنّ زيارة مراقد هذه الشخصيات هو نوع من الشكر والتقدير لتضحياتهم ، وإعلام للجيل الحاضر بأنّ هذا هو جزاء الذين يسلكون طريق الحق والهدى والفضيلة ، والدفاع عن المبدأ والعقيدة ، وهذا لا يدفعنا إلى زيارة قبورهم وحدها ، بل يدفعنا إلى إبقاء ذكرياتهم حيّة ساخنة ، والمحافظة على آثارهم ، وإقامة المهرجانات في ذكرى مواليدهم ، وعقد المجالس وإلقاء الخطب المفيدة في أيام رحلاتهم ، وهذا شيء مما يدركه كل ذي مسكة ، فلأجل ذلك نرى أنّ أبناء الأُمم الحية يتسابقون في زيارة مدافن رؤسائهم وشخصياتهم الذين ضحوا أنفسهم واموالهم في سبيل إحياء الشعب واسقلاله ، ونجاته من يد المستعمرين والظالمين ، ويقيمون الذكريات المئوية لإحياء معالمهم وآثارهم وأسمائهم ، ولا يخطر ببال أحد أنّ هذه الأُمور عبادة لهم ، فأين التعظيم والتعزيز للشخصيات من عبادتهم؟ فإنّ التعظيم تقدير لجودهم ، والعبادة رمز لألوهيتهم وربوبيتهم ، فهل منّا من يخلط بين الأمرين؟
إذا وقفت على الآثار البنّاءة لزيارة مطلق القبور ، وزيارة قبور الأولياء والصالحين ، وتعرّفت على مجموعة من الروايات الحاثّة على زيارة قبور دار
__________________
١ ـ مستدرك الصحيحين للحاكم ج ١ ص ٢٧٧.
٢ ـ صحيح الترمذي ج ٤ ص ٢٧٥ ، كتاب الجنائز باب ما جاء في زيارة القبور.