في أهل بيتك خاصة ، ومائة ألف لخاصة نفسك ، فقم مكرما فاقبض صلتك.
وخرج الإمام من عنده وكان يزيد حاضرا في مجلس أبيه فلما رأى حفاوته بالإمام ساءه ذلك وحينما انصرف من في المجالس اندفع قائلا :
« تالله ما رأيت رجلا مثلك ، استقبلك بما استقبلك به ثم أمرت له بثلاثمائة ألف! »
ـ يا بني ، إن الحق حقهم فمن جاءك منهم فاحث له (١).
وقد اعترف معاوية أن الخلافة الإسلامية لأهل البيت وانه قد غصبها منهم.
هذه بعض مناظرات الإمام مع خصومه ، قد روى أكثرها البيهقي والجاحظ ، ونصّ عليها غيرهما من المؤرخين ، وقد فضح بها الإمام معاوية وأتباعه ، وأبدا عارهم وعيارهم ، وأظهر لأهل الشام مخازي بنى أمية ، وعيوب آل أبي سفيان ، فهي بحق ثورة على حكومة معاوية ، فقد حطمت كيانه ، وأنزلته من عرشه إلى قبره.
وشكك بعض أهل العلم فى بعض تلك المناظرات ، واحتمل فيها الوضع لأنها قد اشتملت على تعيير الإمام لخصومه باسلوب يستبعد صدور منه وقد استدل على ذلك بما روى من أن الإمام لم تسمع منه كلمة فحش قط إلا قوله لمروان : « ليس لك عندي إلا ما رغم به أنفك » ومع هذا فكيف يصدر ذلك منه ، وهو احتمال موهوم لأن خصومه الحقراء قد تجرءوا عليه وجابهوه بألفاظ قاسية بذيئة ، فرد عليهم اعتداءهم ، ولكن لم يستعن بالكذب ، ولم يتذرع بالبذاء كما تذرعوا به.
وعلى أي حال فان معاوية بالرغم مما انزله الإمام به من الذل والهوان فانه كان يحذر جانبه ويخشاه وذلك لما له من المكانة المرموقة في نفوس المسلمين ، وتقديمهم له بالفضل على غيره ، وكانوا يعلنون ذلك أمام معاوية
__________________
(١) شرح ابن ابي الحديد ٤ / ٤.