وجه الأرض أحد إلا قتل ... »
إن شأن الإمام كشأن النبي ، لا يفعل إلا ما فيه الصالح العام ، ولكن المصلحة قد تخفى أحيانا على الناس فلا يعقلونها إلا بعد حين ، وقد شبه صلحه بفعل الخضر (ع) لما خرق السفينة ، وهدم الجدار ، وقتل الغلام ، ولما لم يفهم صاحبه المصلحة فى ذلك نقم عليه ، وراح يشتد في معارضته والإنكار عليه ، وحينما تبين له الحال أذعن له وأطاع ، وكذلك الإمام في صلحه ، فإن الحكمة قد خفيت على كثير من شيعته فاندفعوا الى اعلان سخطهم وإلى الإنكار عليه.
ودخل على الإمام بعض أصحابه ، وهو مندلع الثورة قد أخذ منه الوجد والأسى مبلغا ليس بالقليل فقال له :
« يا ابن رسول الله ، أذللت رقابنا بتسليمك الأمر الى هذا الطاغية : » فأجابه الإمام :
« والله ، إني ما سلمت الأمر إلا لأني لم أجد أنصارا ، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ، ولكن عرفت أهل الكوفة ، وبلوتهم ، ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا ، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ، ولا فعل ، إنهم لمختلفون ، ويقولون لنا : إن قلوبهم معنا ، وإن سيوفهم لمشهورة علينا ... »
لقد بيّن (ع) انه لا ناصر له ولا معين ليناجز معاوية ، إذ لم يكن معه سوى أهل الكوفة الذين لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل فكيف يحارب بهم معاوية؟
لقد رد عليهالسلام شبه الناقدين ، وأوضح لهم الحكمة في ذلك ، وأجاب كلا على عتابه ببراعة الحجة ، وروعة العرض واصالة الرأي.