قال قاضي القضاة : والجواب أنّ قوله : « ليتني » لا يدلّ على الشكّ فيما تمنّاه ، وقول إبراهيم عليهالسلام : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (١) أقوى من ذلك في الشبهة. ثمّ حمل تمنّيه على أنّه أراد سماع شيءٍ مفصّل ، أو أراد : ليتني سألته عند الموت لقرب العهد ، لأنّ ما قرب عهده لا يُنسى ويكن أردع للأنصار على ما حاولوه.
ثم قال : على أنّه ليس في ظاهره أنّه تمنّى أن يسأل : هل لهم حقٌ في الإمامة أم لا ؟ لأنّ الإمامة قد يتعلّق بها حقوق سواها ، ثمّ دفع الرواية المتعلقة ببيت فاطمة عليهاالسلام وقال : فأمّا تمنيّه أن يبايع غيره ؛ فلو ثبت لم يكن ذمّاً ، لأنّ من اشتد التكليف عليه فهو يتمنى خلافه.
اعترض المرتضى رحمهالله هذا الكلام فقال : ليس يجوز أن يقول أبو بكر : « ليتني كنت سألت عن كذا ». إلّا مع الشكّ والشبهة ، لأنّ مع العلم واليقين لا يجوز مثل هذا القول ، هكذا يقتضي الظاهر.
فأمّا قول إبراهيم عليهالسلام ، فإنّما ساغ أن يُعدل عن ظاهره ، لأنّ الشك لا يجوز على الأنبياء ، ويجوز على غيرهم ؛ على أنّه عليهالسلام قد نفى عن نفسه الشك بقوله : ( بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) ، وقد قيل : إنّ نمرود قال له : إذا كنت تزعم أنّ لك ربّاً يحيي الموتى ، فاسأله أن يحيي لنا ميّتاً إن كان على ذلك قادراً ، فإن لم تفعل ذلك قتلتك ، فأراد بقوله : ( وَلَـٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) ، أي لآمن توعّد عدوّك لي بالقتل.
وقد يجوز أن يكون طلب ذلك لقومه ، وقد سألوه أن يرغب إلى الله تعالى فيه فقال : ليطمئنّ قلبي إلى إجابتك لي ، وإلى إزاحة علّة قومي ، ولم يرد : ليطمئنّ قلبي إلى أنّك تقدر على أن تحيي الموتى ؛ لأنّ قلبه قد كان بذلك مطمئناً ؛ وأيّ
_____________________
١ ـ البقرة : ٢٦٠.