الشهادة ، ولا يمتنع أن يكون غير تلك الصورة مخالفاً لها ، وإن كان المدّعي لا يكذّب.
ويبين ذلك أنّ مذهب المرتضى جواز ظهور خوارق العادات على أيدي الأئمة والصالحين ؛ ولو قدّرنا أنّ واحداً من أهل الصلاح والخير ادّعى دعوى ، وقال بحضرة جماعة من الناس من جملتهم القاضي : اللهم إن كنتُ صادقاً فأظهر عليّ معجزة خارقة للعادة ؛ فظهرت عليه ، لعلمنا أنّه صادق ؛ ومع ذلك لا تقبل دعواه إلّا ببيّنة.
وسألت عليّ بن الفارقيّ مدرّس المدرسة الغربية ببغداد ، فقلت له : أكانت فاطمة صادقة ؟ قال : نعم ، قلت : فلم لم يدفع إليها أبو بكر فَدَك وهي عنده صادقة ؟ فتبسّم ، ثمّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحُرْمته وقلّة دعابته ، قال : لو أعطاها اليوم فَدَك بمجرّد دعواها ، لجاءت إليه غداً وادّعت لزوجها الخلافة ، وزحزحته عن مقامه ، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء ؛ لأنّه يكون قد أسجل على نفسه أنّها صادقة فيما تدّعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود. وهذا كلام صحيح ؛ وإن كان أخرجه مخرج الدُّعابة والهزْل.
فأما قول قاضي القضاة : لو كانت في يدها لكان الظاهر أنّها لها ، واعتراض المرتضى عليه بقوله : إنّه لم يعتمد في إنكار ذلك على حجّة ، بل قال : لو كانت في يدها لكان الظاهر أنّها لها ، والأمر على ما قال ؛ فمن أين أنّها لم تخرج عن يدِها على وجه ! كما أنّ الظاهر يقتضي خلافه ؛ فإنّه لم يجب عمّا ذكره قاضي القضاة ؛ لأنّ معنى قوله : إنّها لو كانت في يدها ، أي متصرفة فيها لكانت اليد حجّة في الملكيّة ؛ لأنّ اليد والتصرّف حجّة لا محالة ، فلو كانت في يدها تتصرّف فيها وفي ارتفاقها كما يتصرّف الناس في ضياعهم وأملاكهم لما احتاجت إلى الاحتجاج بآية الميراث ولا بِدعوى النحل ؛ لأنّ اليد حجّة.