قال : وقد أنكر أبو عليّ ما قاله السائل من أنّها لما ردّت في دعوى النحلة ادعته إرثاً ، وقال : بل كان طلبت الإرث قبل ذلك ، فلما سمعت منه الخبر كفّت وادعت النحلة.
قال : فأما فِعل عمر بن عبد العزيز فلم يثبت أنّه ردّه على سبيل النحلة ، بل عمل في ذلك ما عمله عمر بن الخطاب بأن أقرّه في يد أمير المؤمنين عليهالسلام ليصرف غلاتها في المواضع الّتي كان يجعلها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه ، فقام بذلك مدّة ، ثمّ ردّها إلى عمر في آخر سنته ، وكذلك فعل عمر بن عبد العزيز ؛ ولو ثبت أنّه فعل بخلاف ما فعل السلف لكان هو المحجوج بفعلهم وقولهم.
وأحدُ ما يقوّى ما ذكرناه أنّ الأمر لما انتهى إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ترك فَدَك على ما كان ، ولم يجعله ميراثاً لولد فاطمة ، وهذا يبيّن أنّ الشاهد كان غيره ، لأنّه لو كان هو الشاهد لكان الأقرب أن يحكم بعلمه ؛ على أنّ الناس اختلفوا في الهبة إذا لم تقبض ، فعند بعضهم تستحقّ بالعقد ، وعند بعضهم أنّها إذا لم تقبض يصير وجودها كعدمها ، فلا يمتنع من هذا الوجه أن يمتنع أمير المؤمنين عليهالسلام من ردّها ، وإن صحّ عنده عقد الهبة ، وهذا هو الظاهر ، لأنّ التسليم لو كان وقع لظهر أنّه كان في يدها ، ولكان ذلك كافياً في الاستحقاق.
فأمّا حجر أزواج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّما تركت في أيديهنّ لأنّها كانت لهنّ ، ونصّ الكتاب يشهد بذلك ، وقوله : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) (١). وروى في الأخبار أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قسّم ما كان له من الحجر على نسائه وبناته ، ويبيّن صحة ذلك أنّه لو كان ميراثاً أو صدقة لكان أمير المؤمنين عليهالسلام لمّا أفضى الأمر إليه يغيّره.
قال : وليس لأحد أن يقول : إنّما لم يغيّر ذلك لأنّ الملك قد صار له ، فتبرّع به ، وذلك أنّ الّذي يحصل له ليس إلّا ربع ميراث فاطمة عليهاالسلام ، وهو الثمن من ميراث
_____________________
١ ـ الأحزاب : ٣٣.