والأزواج لمّا عرفن أنّ فاطمة عليهاالسلام قد دُفِعتْ عن الميراث أمسكن ، ولم يكنّ قد نازعن ، وإنّما اكتفين بغيرهنّ ، وحديث فَدَك وحضور فاطمة عند أبي بكر كان بعد عشرة أيام من وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والصحيح أنّه لم ينطق أحدٌ بعد ذلك من الناس من ذكر أو أنثى بعد عود فاطمة عليهاالسلام من ذلك المجلس بكلمة واحدة في الميراث.
قال المرتضى : فإن قيل : فإذا كان أبو بكر قد حكم بالخطأ في دفع فاطمة عليهاالسلام عن الميراث ، واحتجّ بخبرٍ لا حجّة فيه ، فما بال الأمّة أقرته على هذا الحكم ، ولم تُنكِر عليه ، وفي رضاها وإمساكها دليلٌ على صوابه !
قلت : قد مضى أنّ ترك النّكير لا يكون دليل الرضا إلّا في هذا الموضع الّذي لا يكون له وجه سوى الرضا ، وذكرنا في ذلك قولاً شافياً ، وقد أجاب أبو عثمان الجاحظ في كتاب ( العباسية ) عن هذا السؤال جواباً حسن المعنى واللفظ ، نحن نذكره على وجهه ، ليقابل بينه وبين كلامه في العثمانية وغيرها.
قلت : ما كنّاه المرتضى رحمهالله في غير هذا الموضع أصلاً ، بل كان ساخطاً عليه ، وكنّاه في هذا الموضع ، واستجاد قوله ، لأنّه موافق غرضه ، فسبحان الله ما أشد حبّ الناس لعقائدهم (١) !
قال : قال أبو عثمان : وقد زعم أناس أنّ الدليل على صدق خبرهما ـ يعني أبا بكر وعمر ـ في منع الميراث وبراءة ساحتهما ، ترك أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم النكير عليهما.
ثم قال : قد يقال لهم : لئن كان ترك النكير دليلاً على صدقهما ، ليكوننّ ترك النكير على المتظلمين والمحتجين عليهما ، والمطالبين لهما ، دليلاً على صدق دعواهم ، أو استحسان مقالتهم ، ولا سيما وقد طالت المناجاة ، وكثرت المراجعة
_____________________
١ ـ ولنا أن نقول لابن أبي الحديد عن نفسه مثل قوله : فسبحان الله ما أشدّ حب الناس لعقائدهم ، فاستماتته في الدفاع عن شيخه أبي عليّ وعن الشيخين ما لا يحتاج إلى بيان أو إقامة برهان.