واعلم أنّه قد قرئ : ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ) (١) ؛ وقيل : إنّها قراءة زين العابدين وابنه محمّد بن عليّ الباقر عليهمالسلام وعثمان بن عفّان. وفسّروه على وجهين :
أحدهما أن يكون « ورائي » بمعنى خلفي وبعدي ، أي قلّت الموالي وعجزوا عن إقامة الدين ، تقول : قد خفّ بنو فلان ، أي قلّ عددهم ، فسأل زكريا ربّه تقويتهم ومظاهرتهم بوليٍّ يرزقه.
وثانيهما أن يكون « ورائي » بمعنى قدّامي ، أي خفّ الموالي وأنا حيّ ودرجوا وانقرضوا ، ولم يبق منهم من به اعتضاد ، وعلى هذه القراءة لا يبقى متعلّق بلفظة الخوف.
وقد فسر قوم قوله : ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ ) ، أي خفت الّذين يلون الأمر من بعدي ، لأنّ المولى يستعمل في الوالي ، وجمعه موالٍ ، أي خفت أن يلي بعد موتي أمراء ورؤساء يُفسدون شيئاً من الدين ، فارزقني ولداً تُنعِم عليه بالنبوّة والعلم ، كما أنعمت عليّ ، واجعل الدين محفوظاً به ؛ وهذا التأويل غير منكر ، وفيه أيضاً دفع لكلام المرتضى.
قال المرتضى : وأمّا تعلّق صاحب الكتاب في أنّ الميراث محمول على العلم بقوله : ( وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (٢) ؛ لأنّه لا يرث أموال آل يعقوب في الحقيقة وإنّما يرث ذلك غيره ، فبعيد من الصواب ؛ لأنّ ولد زكريا يرث بالقرابة من آل يعقوب أموالهم ، على أنّه لم يقل : « يرث آل يعقوب » ، بل قال : ( وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) ، تنبيهاً بذلك على أنّه يرث من كان أحقّ بميراثه في القرابة.
فأمّا طعنه على من تأول الخبر بأنّه عليهالسلام لا يورث ما تركه للصدقة بقوله : إنّ
_____________________
١ ـ مريم : ٥.
٢ ـ مريم : ٦.