فأمّا قوله : أتجوّزون صِدقَه في الرواية أم لا تجوزون ذلك ؟ فالجواب : إنّا لا نجوّزه ، لأنّ كتاب الله أصدق منه ، وهو يدفع روايته ويبطلها ؛ فأمّا اعتراضه على قولنا : إنّ إطلاق الميراث لا يكون إلّا في الأموال بقوله تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (١).
وقولهم : ما ورثت الأبناء من الآباء شيئاً أفضل من أدب حسن ، وقولهم : العلماء ورثة الأنبياء ، فعجيب ، لأنّ كل ما ذكر مقيّد غير مطلق ، وإنّما قلنا : إنّ مطلق لفظ الميراث من غير قرينة ولا تقييد يفيد بظاهره ميراث الأموال ، فبعد ما ذكره وعارض به لا يخفى على متأمّل.
فأما استدلاله على أنّ سليمان ورث داود علمه دون ماله بقوله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) (٢) وأنّ المراد أنّه وَرِث العلمَ والفضلَ ، وإلّا لم يكن لهذا القول تعلّق بالأوّل ، فليس بشيء يعوّل عليه ، لأنّه لا يمتنع أن يريد به أنّه ورث المال بالظاهر والعلم بهذا المعنى من الاستدلال.
فليس يجب إذا دلّت الدّلالة في بعض الألفاظ على معنى المجاز أن يقتصر بها عليه ، بل يجب أن يحملها على الحقيقة الّتي هي الأصل إذا لم يمنع من ذلك مانع ؛ على أن لا يمتنع أن يريد ميراث المال خاصّة ، ثمّ يقول مع ذلك إنّا : ( عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) ، ويشير بـ « الفضل المبين » إلى العِلم والمال جميعاً ، فله بالأمرين جميعاً فضلٌ على من لم يكن عليهما ؛ وقوله : ( وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) يحتمل المال ، كما يحتمل العلم ، فليس بخالص ما ظنّه.
_____________________
١ ـ فاطر : ٣٢.
٢ ـ النمل : ١٦.