قال : فما رأينا يوماً أكثر باكياً أو باكية من ذلك اليوم.
قال المرتضى : وقد روى هذا الكلام على هذا الوجه من طُرقٍ مختلفة ، ووجوه كثيرة ، فمن أرادها أخذها من مواضعها ، فكيف يدّعي أنّها عليهاالسلام كفّت راضية ، وأمسكت قانعة ، لولا البُهْت وقلّة الحياء !
قلت : ليس في هذا الخبر ما يدلّ على فساد ما ادّعاه قاضي القضاة ، لأنّه ادّعى أنّها نازعت وخاصمت ، ثمّ كفّت لما سمعت الرواية وانصرفت تاركة للنزاع ، راضية بموجب الخبر المروي.
وما ذكره المرتضى من هذا الكلام لا يدلّ إلّا على سخطها حال حضورها ، ولا يدلّ على أنّها بعد رواية الخبر وبعد أن أقسم لها أبو بكر بالله تعالى أنّه ما روى عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا ما سمعه منه ، انصرفت ساخطة ؛ ولا في الحديث المذكور والكلام المروي ما يدلّ على ذلك ، ولست أعتقد أنّها انصرفت راضية كما قال قاضي القضاة ، بل أعلم أنّها انصرفت ساخطة ، وماتت وهي على أبي بكر واجِدة ، ولكن لا من هذا الخبر ، بل من أخبار اُخر ، كان الأولى بالمرتضى أن يحتجّ بها على ما يرويه في انصرافها ساخطة ، وموتها على ذلك السخط ، وأمّا هذا الخبر وهذا الكلام فلا يدلّ على هذا المطلوب.
قال المرتضى رحمهالله : فأمّا قوله : إنّه يجوز أن يبيّن عليهالسلام أنّه لا حقّ لميراثه في ورثته لغير الورثة ، ولا يمتنع أن يرد من جهة الآحاد ، لأنّه من باب العمل ، وكلّ هذا بناءً منه على أصوله الفاسدة في أنّ خبر الواحد حجّة في الشرع ، وأنّ العمل به واجب ، ودون صحة ذلك خَرْط القَتاد.
وإنّما يجوز أن يبيّن من جهة أخرى إذا تساويا في الحجة ووقوع العمل ، فأمّا مع تباينهما فلا يجوز التخيير فيهما ، وإذا كان ورثة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم متعبّدين بألّا يرثوه ، فلا بدّ من إزاحة عِلّتهم في هذه العبادة بأن يوقفهم على الحكم ، ويُشافِهَهم به ، ويلقيه إلى مَنْ يقيم الحجة عليهم بنقله ، وكل ذلك لم يكن.