قلت : إنّ شيخنا أبا الحسين قال في كتاب ( الغرر ) صورة الخبر الوارد في هذا الباب ، وهو الّذي رواه أبو بكر ! « لا نورّث » ، ولم يقل : « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث » ، فلا يلزم من كون زكريا يورث الطعن في الخبر ، وتصفّحت أنا كتب الصحاح في الحديث فوجدت صيغة الخبر كما قاله أبو الحسين ، وإن كان رسول [ الله ] صلىاللهعليهوآلهوسلم عنى نفسه خاصة بذلك فقد سقط احتجاج الشيعة بقصة زكريا وغيره من الأنبياء ، إلّا أنّه يبعد عندي أن يكون أراد نفسه خاصة ؛ لأنّه لم يَجْرِ عادته أن يخبر عن نفسه في شيء بالنون.
فإن قلت : أيصح من المرتضى أن يوافق على أنّ صورة الخبر هكذا ، ثمّ يحتجّ بقصّة زكريا بأن يقول : إذا ثبت أنّ زكريا موروث ، ثبت أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يجوز أن يكون موروثاً ، لإجماع الأمة على أن لا فرق بين الأنبياء كلّهم في هذا الحكم !
قلت : وإن ثبت له هذا الإجماع صحّ احتجاجه ، ولكن ثبوته يبعد ، لأنّ من نفى كون زكريا عليهالسلام موروثاً من الأمة إنّما نفاه لاعتقاده أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « نحن معاشر الأنبياء » (١) ، فإذا كان لم يقل هكذا ، لم يقل : إنّ زكريا عليهالسلام غير موروث.
قال المرتضى : ومما يقوي ما قدمناه أنّ زكريا عليهالسلام خاف بني عمّه ، فطلب وارثاً لأجل خوفه ، ولا يليق خوفه منهم إلّا بالمال دون العلم والنبوّة ، لأنّه عليهالسلام كان أعلم بالله تعالى من أن يخاف أن يبعث نبيّاً ليس بأهل للنبوّة ، أو أن يورث علمه وحكمه من ليس أهلاً لهما ، ولأنّه إنّما بعث لإذاعة العلم ونشره في الناس ، فلا يجوز أن يخاف من الأمر الّذي هو الغرض في البعثة.
_____________________
١ ـ لقد ورد بلفظ : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ... ) في جملة مصار من التراث السني منها : فتح الباري لابن حجر ١٢ : ٨ ، ط دار الفكر بيروت ، وزاد المسير لابن الجوزي ٥ : ٢٠٩ ، ط دار الفكر بيروت ، واللئالئ المصنوعة للسيوطي ٢ : ٢٣٥ ، ط دار الكتاب العربي بمصر ، والبداية والنهاية لابن كثير ٢ : ١٥٤ ، و ٤ : ٢٠٣ ، و ٥ : ٢٩٠ ، ط دار الفكر بيروت ، وتحفة الطالب لابن كثير ١ : ٣٣٦ ، نشر دار حواء بمكة المكرمة سنة ١٤٠٦ ، ومسند الربيع بن حبيب ٢ : ٦٢ ، تصوير مكتبة الثقافة وأخيراً موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف ١٠ : ١٧ ، ط عالم التراث.