قال رضياللهعنه : والذي يدلّ على ما ذكرنا قوله تعالى مخبراً عن زكريا عليهالسلام : ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) (١).
فخبر أنّه خاف من بني عمّه ، لأنّ الموالي هاهنا هم بنو العمّ بلا شبهة ، وإنّما خافهم أن يرثوا ماله فينفقوه في الفساد ، لأنّه كان يعرف ذلك من خلائقهم وطرائقهم ، فسأل ربّه ولداً يكون أحق بميراثه منهم.
والذي يدل على أنّ المراد بالميراث المذكور ميراث المال دون العلم والنبوة على ما يقولون ، إنّ لفظة الميراث في اللغة والشريعة لا يفيد إطلاقها إلّا ما يجوز أن ينتقل على الحقيقة من الموروث إلى الوارث ، كالأموال وما في معناها ، ولا يُستعمل في غير المال إلّا تجوّزاً واتساعاً ، ولهذا لا يُفهم من قول القائل : لا وارث لفلان إلّا فلان ، وفلان يرث مع فلان بالظاهر والإطلاق إلّا ميراث الأموال والأعراض دون العلوم وغيرها ، وليس لنا أن نعدل عن ظاهر الكلام وحقيقته إلى مجازه بغير دلالة.
وأيضاً فإنّه تعالى خبّر عن نبيّه أنّه اشترط في وارثه أن يكون رضيّاً ، ومتى لم يُحمل الميراث في الآية على المال دون العلم والنبوة لم يكن للاشتراط معنى ، وكان لغواً وعبثاً ؛ لأنّه إذا كان إنّما سأل من يقوم مقامه ، ويرث مكانه فقد دخل الرضا وما هو أعظم من الرضا في جملة كلامه وسؤاله ؛ فلا مقتضى لاشتراطه ، ألا ترى أنّه لا يحسن أن يقول : اللهم ابعث إلينا نبياً واجعله عاقلاً ، [ ومكلّفاً ] ؛ فإذا ثبتت هذه الجملة صحّ أنّ زكريا موروث ماله ، وصحّ أيضاً لصحتها أنّ نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم ممن يورث المال ، لأنّ الإجماع واقع على أنّ حال نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يخالف حال الأنبياء المتقدّمين في ميراث المال ، فمن مثبت للأمرين ونافٍ للأمرين.
_____________________
١ ـ مريم : ٥ ـ ٦.