فإن قالوا : فقد قال تعالى : ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (١) ، وذلك يُبطل الخبر ! قيل لهم : ليس في ذلك بيان المال أيضاً ، وفي الآية ما يدلّ على أنّ المراد النبوّة والعلم ، لأنّ زكريا خاف على العلم أن يندرس ، وقوله : ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ) (٢) يدلّ على ذلك ، لأنّ الأنبياء لا تحرص على الأموال حرصاً يتعلق خوفها بها ، وإنما أراد خوفه على العلم أن يضيع ، فسأل الله تعالى وليّاً يقوم بالدّين مقامه ، وقوله : ( وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) يدلّ على أنّ المراد العلم والحكمة ، لأنّه لا يرث أموال يعقوب في الحقيقة ، وإنّما يرث ذلك غيره.
قال : فأمّا مَن يقول إنّ المراد أنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه صدقة ، أي ما جعلناه صدقة في حال حياتنا لا نورثه ، فركيك من القول ، لأنّ إجماع الصحابة يخالفه ، لأنّ أحداً لم يتأوّله على هذا الوجه ، ولأنّه لا يكون في ذلك تخصيص الأنبياء ، ولا مزية لهم ، ولأنّ قوله : « ما تركناه صدقة » ، جملة من الكلام مستقلّة بنفسها ، كأنّه عليهالسلام مع بيانه أنّهم لا يورثون المال يبيّن أنّه صدقة ، لأنّه كان يجوز ألّا يكون ميراثاً ، ويصرف إلى وجه آخر غير الصدقة.
قال : فأمّا خبر السيف والبغلة والعمامة وغير ذلك ، فقد قال أبو عليّ : إنّه لم يثبت أنّ أبا بكر دفع ذلك إلى أمير المؤمنين عليهالسلام على جهة الإرث ، كيف يجوز ذلك مع الخبر الّذي رواه ، وكيف يجوز لو كان وارثاً أن يخصّه بذلك ولا إرث له مع العمّ لأنّه عصبة !
فإن كان وصل إلى فاطمة عليهاالسلام فقد كان ينبغي أن يكون العباس شريكاً في ذلك وأزواج الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولوجب أن يكون ذلك ظاهراً مشهوراً ليُعرف أنّهم
_____________________
١ ـ مريم : ٥ ـ ٦.
٢ ـ مريم : ٥.