ثم ذكرت كلاماً طويلاً سنذكره فيما بعد في الفصل الثاني ، تقول في آخره : « ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (١) إيهاً معاشرَ المسلمين ، ابتُزّ إرث أبي ، أبى الله أن تَرِث يا بن أبي قُحافة أباك ولا إرِث أبي ، لقد جئت شيئاً فَرِيّاً ! فدونَكَها مخطومةً مرحولةً تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يَخسَر المُبطِلون ، ولكل نباءٍ مستقرٌّ وسوف تعلمون من يأتيه عذابٌ يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم ! ».
ثم التفتت إلى قبر أبيها ، فتمثّلت بقول هند بنت أثاثة :
قد كان بعدك أنباءٌ وهَيْنمةٌ |
|
لو كنتَ شاهدَها لم تَكثُرِ الخطبُ |
أبدتْ رجالٌ لنا نجوى صدورِهمُ |
|
لمّا قضيتَ وحالت دونَكَ الكُتُبُ |
تَجَهّمتْنا رجالٌ واستُخِفّ بنا |
|
إذ غبتَ عنّا فنحن اليومَ نُغتصَبُ |
قال : ولم ير الناس أكثر باك ولا باكيةً منهم يومئذ ، ثم عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت : « يا معشر البقيّة ، وأعضاد الملّة ، وحَضَنة الإسلام ، ما هذه الفَتْرة عن نُصْرتي ، والوَنْية عن معونتي ، والغمزة في حقّي ، والسَّنة عن ظُلامَتي ! أما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : المرء يُحفَظ في ولده ! سرعانَ ما أحدثتم ، وعجلانَ ما أتيتم ، ألآن مات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمتّم دينه ! ها إنّ موته لَعمري خطبٌ جليلٌ استوسع وَهنُه ، واستبهم فتقُه ، وفُقِد راتقُه ، وأظلمت الأرض له ، وخَشَعت الجبال ، وأكْدَت الآمال ، اُضِيع بعدَه الحريم ، وهُتِكت الحرمة ، واُذيلت المصونة ، وتلك نازِلة أعلن بها كتاب الله قبل موته ، وأنبأكم بها قبل وفاته ، فقال : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
_____________________
١ ـ المائدة : ٥٠.