زهده وتقواه :
وقد كان المؤلّف من الزهّاد الورعين ، يمتاز بتقوىٰ وورع فائق ، وكان يحتاط أشدّ الاحتياط في أمر الدين ، عملاً بقول الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام لكميل بن زياد : أخوك دينك فاحتَط لدينك بما شئت (١) ، وكان من جملة احتياطه وتقواه أنّه بلغه أنّ بعض أهل العراق لا يخرج الزكاة ، فكان كلّما اشترىٰ من القوت شيئاً زكويّاً زكّاه قبل أن يتصرّف فيه (٢) .
ولذلك قال ولده في حقّه : كان عالماً عاملاً ، وفاضلاً كاملاً ، وورعاً عادلاً ، وطاهراً زكيّاً ، وعابداً تقيّاً ، وزاهداً مرضيّاً ، يفرّ من الدنيا وأهلها ويتجنّب الشبهات . . . كانت افعاله منوطة بقصد القربة (٣) . . .
فيظهر جليّاً أنّ من أهمّ ما كان يتمتّع به هذا الرجل الفقيه الرجاليّ هو التقوىٰ والزهد ، والأنس بالله ، وأنّه كان ينيط كلّ أعماله بقصد التقرّب إلىٰ الله ، وهذا ما لا يناله إلّا من رحمه الله وكان ذا حظ عظيم .
ومع أنّ الطائفة المحقّة أجمعت علىٰ جواز أخذ الهدايا حتّىٰ من الحكّام والأمراء ، لكنّنا نرىٰ شيخنا المصنّف يتورّع عن أخذها احتياطاً لدينه ومبالغة في التقوىٰ والتقرّب إلىٰ الله ، ساعياً أن لا يعيش إلّا ممّا رزقه الله ، بل نراه إذا وقع في محذور من قبول الهدايا جعل لذلك طريق حلٍّ لارجاع تلك الأموال إلىٰ معطيها .
فقد أرسل له الأمير يونس بن الحرفوش إلىٰ مكّة المشرّفة خمسمائة
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٦٧ / ٣٣٥٠٩ .
(٢) روضات الجنات ٧ : ٤٢ .
(٣) أمل الآمل ١ : ١٣٩ ، وعنه في رياض العلماء ٥ : ٥٩ ـ ٦٠ .