قرش ، وكان هذا الرجل له أملاك من زرع وبساتين وغير ذلك . . . وأرسل إليه معها كتابة مشتملة علىٰ آداب وتواضع ، وكان له فيه اعتقاد زائد ، والتمس منه أن يقبل ذلك ، وأنّه من خالص ماله الحلال ، وقد زكّاه وخمّسه ، إلىٰ أن يقبل .
فقال له الرسول : إنّ أهلك وأولادك في بلاد هذا الرجل ، وله بك تمام الاعتقاد ، وله علىٰ أولادك وعيالك شفقة زائدة ، فلا ينبغي أن تجبهه بالردّ .
فقال : إن كان ولا بُدّ من ذلك فأبقها عندك ، واشترِ في هذه السنة مائة قرش منها شيئاً من العود والقماش ، وتوصله إليه علىٰ وجه الهديّة ، وهكذا تفعل كلَّ سنة حتّىٰ لا يبقىٰ منها شيءٌ ، فأرسل له ذلك تلك السنة وانتقل إلىٰ رحمة الله ورضوانه (١) .
وطلبه سلطان ذلك الزمان ـ عفىٰ الله عنه ـ مرّة من العراق ، فأبىٰ ذلك ، وطلبه من مكّة المشرّفة ، فأبىٰ ، فبلغه أنّه يعيد عليه أمر الطلب ، وهكذا صار ، فإنّه عيّن له مبلغاً لخرج الطريق ، وكان يكتب له ما يتضمّن تمام اللّطف والتواضع ، وبلغني أنّه قيل له : إذا لم تقبل الإجابة فاكتب له جواباً .
فقال : إن كتبت شيئاً بغير دعاء له كان ذلك غير لائق ، وإن دعوت له فقد نُهينا عن مثل ذلك ، فألحّ عليه بعض أصحابه ، وبعد التأمّل قال : ورد حديث يتضمّن جواز الدعاء لمثله بالهداية ، فكتب له كتابة ، وكتب فيها من الدعاء « هداه الله » لا غير (٢) .
__________________
(١) روضات الجنات ٧ : ٤٢ .
(٢) روضات الجنات ٧ : ٤٢ .