ما يَطِيرُ بجَنَاحَيْهِ.
( وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) (١) أَي كُلّ إِنسانٍ مُكلَّفٍ أَلزمناهُ عَمَلَهُ الّذي عنه من خَيرٍ وشَرٍّ ـ أَو طَارَ إِليهِ من وَكْرِ الغَيْب وعُشِّ القَدَرِ ، أَو الّذي يَطِيرُ بِهِ إِلى مقامِ السَّعادَةِ والشّقاوَةِ ـ في عُنُقِهِ بحَيثُ لا يُفارِقُهُ أَبداً ، بل يَلزَمُهُ لُزُومَ الطَّوْقِ في العُنُقِ.
( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ ) (٢) إِنْ يَحْصُلْ عَلَيهم جَدبٌ وبَلاءٌ يَتَشاءَموا بمُوسى ومَنْ مَعَهُ ويَقولوا : ما حَصَل عَلَينا إِلاَّ بشُؤْمِهِم ولَولا مَكانُهُم لَما أَصابَنَا ، « أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ » أَي سَبَبُ خَيرِهِمْ وشَرِّهِمْ « عِنْدَ اللهِ » وهو حُكمُهُ ومَشِيئَتُهُ ، ولَيسَ شُؤْمُ أَحدٍ ويُمنُهُ سَبَباً فِيهِ ، أَو سَبَبُ شُؤْمِهِم عِندَ اللهِ ؛ وهو عَمَلُهُم المكتوبُ عندَهُ فإنّه الّذي ساقَ إِليهِ (٣) مَا يَسُوؤهُمْ ومِثْلُهُ : ( قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ ) (٤).
( كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) (٥) فَاشِياً مُنتَشِراً غَايةَ الانتِشَارِ.
الأثر
( كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِمُ الطَّيْرَ ) (٦) عِبارةٌ عن سُكُونِهِم وإِنصاتِهِمْ ؛ لأَنَ الطَّيرَ إِنَّما يقعُ على سَاكِنٍ ، أَو مَعنَاهُ كأنَّ على رأْسِ كُلِّ واحدٍ مِنهُمْ طَائِراً يُرِيدُ صَيْدَهُ فهو لا يَتَحَرَّكُ. وقيلَ : أصلُهُ من وُقُوعِ الغُرابِ على رَأسِ البَعيرِ لِيَلْقُطَ منهُ القُرَادَ فَلا يَتَحرَّكُ البعيرُ كَيْلَا يَنْفِرَ عَنهُ ؛ قالَ الهُذْلِيّ (٧) :
إِذَا حَلَّتْ
بَنُو لَيْثٍ عُكَاظاً |
|
رَأَيْتَ عَلَى
رؤُوسِهِمُ الغُرَابَا |
وهُوَ مَثَلٌ قديمٌ وقَعَ في الحَدِيثِ ،
__________________
(١) الإسراء : ١٣.
(٢) الأعراف : ١٣١.
(٣) كذا في النّسخ ، والأنسب : إليهم.
(٤) يس : ١٩.
(٥) الإنسان : ٧.
(٦) الفائق ١ : ١٣ ، النّهاية ٣ : ١٥٠ ، مجمع البحرين ٣ : ٣٨٥.
(٧) وهو أَبو المورِّق ، شرح أَشعار الهذليين للسّكّري ٢ : ٧٧٩ ، وفيه : نزلت بدل : حلّت.