ولكنّهم إذا ذكروا عظمة الله انكسرت ألسنتهم ، وانقطعت أفئدتهم ، وطاشت عقولهم ، وتاهت حلومهم ، إعزازاً لله وإعظاماً وإجلالاً ، فإذا أفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالأعمال الزاكية يعدّون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين ، وأنّهم برآء من المقصّرين والمفرطين ألا إنّهم لا يرضون الله بالقليل ، ولا يستكثرون لله الكثير ، ولا يدلّون عليه بالأعمال ، فهم إذا رأيتهم مهيّمون مروّعون ، خائفون ، مشفقون ، وجلون ؛ فأين أنتم منهم يا معشر المبتدعين ألم تعلموا أنّ أعلم الناس بالضرر أسكتهم عنه ، وأنّ أجهل الناس بالضرر أنطقهم فيه ؟ .
بيان : لا يدلّون من قولهم : أدلّ عليه أي أوثق بمحبّته فأفرط عليه . والهيام : الجنون من العشق .
٣١ ـ كش : عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن موسى الهمدانيّ ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن غيره ، عن جعفر بن محمّد بن حكيم الخثعميّ قال : اجتمع ابن سالم ، وهشام بن الحكم ، وجميل بن درّاج ، وعبد الرحمن بن الحجّاج ، ومحمّد بن حمران ، وسعيد بن غزوان ، ونحو من خمسة عشر من أصحابنا فسألوا هشام بن الحكم أن يناظر هشام بن سالم فيما اختلفوا فيه من التوحيد ، وصفة الله عزَّ وجلَّ ، وعن غير ذلك ، لينظروا أيّهم أقوى حجّة ، فرضي هشام بن سالم أن يتكلّم عند محمّد بن أبي عمير ، ورضي هشام بن الحكم أن يتكلّم عند محمّد بن هشام فتكالما وساقا ما جرى بينهما ، وقال : قال عبد الرحمن بن الحجّاج لهشام بن الحكم : كفرت والله بالله العظيم وألحدت فيه ، ويحك ما قدرت أن تشبه بكلام ربّك إلّا العود يضرب به . قال جعفر بن محمّد بن حكيم فكتب إلى أبي الحسن موسى عليهالسلام يحكى له مخاطبتهم وكلامهم ، ويسأله أن يعلّمهم ما القول الّذي ينبغي أن يدين الله به من صفة الجبّار فأجابه في عرض كتابه : فهمت رحمك الله ، واعلم رحمك الله أنَّ الله أجلّ وأعلى وأعظم من أن يبلغ كنه صفته ، فصفوه بما وصف به نفسه وكفّوا عمّا سوى ذلك .
٣٢ ـ يد : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن اليقطينيّ ، عن ابن أبي نجران قال : سألت أبا جعفر الثاني عليهالسلام عن التوحيد فقلت : أتوهّم شيئاً ؟ فقال : نعم غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام ، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصوّر في الأوهام ؟ إنّما يتوهّم شيء غير معقول ولا محدود .