الكتاب
( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ ) (١) أَي تذهبون وتَبعُدونَ في الأَرض مُنهزِمينَ من العدِّوِ لا يقفُ منكم أَحَدٌ على أَحَدٍ ممَّن خلفَكم ، أَو تذهبونَ في وادي أُحُدٍ فِراراً ولا تُعرِّجونَ على أَحَدٍ.
( سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ) (٢) سأُغْشيهِ عَقَبَةً شاقَّةَ المَصعَدِ ، وهو مَثَلٌ لِمَا يَلقَى من العذابِ الشَّاقِّ الصَّعبِ.
أَو هو على حقيقتِهِ ـ وهو الظّاهرُ ـ لما روي عنه صلىاللهعليهوآله : ( إِنَ الصَّعُودَ جَبَلٌ مِنْ نَار يَصْعَدُ فيه خَمسِينَ خَرِيفاً ثمَّ يَهْوِي مِنْهُ كَذَلِكَ أَبَداً ) (٣).
وعنه صلىاللهعليهوآله : ( أَنَّه يُكَلَّفُ أَنْ يَصْعَدَ عَقَبَةً فِي النَّارِ كُلَّمَا وَضَعَ عَلَيْهَا يَدَهُ ذَابَتْ وَإِذَا رَفَعَها عَادَتْ ، وَإِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ ذابَتْ وَإِذَا رَفَعَها عَادَتْ ) (٤).
( كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ) (٥) كأَنَّما يُزاولُ أَمراً غيرَ ممكنٍ ؛ لأَنَ صُعُودَ السَّماءِ مَثَلٌ فيما يَمتنِعُ ويَبعُدُ عن الاستطاعةِ ؛ فكأَن الكافرَ في نفورِهِ عن الإِسلام وثِقلِه عليه بمنزلَةِ مَن يَتَكَلَّفُ الصُّعُودَ إِلى السَّماءِ.
( يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً ) (٦) أَي في عذابٍ شاقٍّ. والصَّعَدُ ، كسَبَبٍ : مصدرٌ كالصُّعُودِ وُصِفَ به العذابُ مبالغةً ؛ لأَنَّه يعلو المُعذَّبَ ويَغلبُهُ فلا يَطيقُهُ.
( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (٧) قال الزجَّاجُ : الصَّعِيدُ : وَجْهُ الأَرضِ تُراباً كان أَو غيرَه ، وإِن كان صخراً لا ترابَ عليه لو ضَرَبَ المُتَيَمِّمُ يَدَهُ عليه ومَسَحَ لكان ذلك طَهُورهُ (٨). وهو مذهبُ أبي حنيفة والإِماميَّةِ من الشِّيعة (٩) ، وعلى هذا فالطَّيِّبُ : الطّاهرُ أَو الحلالُ.
__________________
(١) آل عمران : ١٥٣.
(٢) المدّثر : ١٧.
(٣) سنن التّرمذي ٤ : ١٠٤ / ٢٧٠٢ ، الكشّاف ٤ : ٦٤٨ ، باختلاف يسير.
(٤) مجمع الزّوائد ٧ : ١٣١ ، الكشّاف ٤ : ٦٤٨.
(٥) الأنعام : ١٢٥.
(٦) الجن : ٧.
(٧) النّساء : ٤٣ ، المائدة : ٦.
(٨) انظر التّهذيب ٢ : ٧ ، وعون المعبود ١ : ٣٦١.
(٩) انظر فقه القرآن ١ : ٣٧ ، وجوامع الجامع ١ : ٤٠٢.